سياسة

المدارس التابعة لـ “الإخوان”: هذه تبعات صدمة الهزيمة


لأربعة عقود مضت، استحوذ الخطاب الإسلامي الذي حرص على بناء كوادره منذ الصغر، على الخطاب السياسي والاجتماعي في مصر دون منازع، ووجدت المدارس الإسلامية التي بناها الإخوان المسلمون، طريقها إلى الرواج وزاد عدد طلابها باطراد مع زيادة التواجد الإخواني داخل البرلمان المصري، في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، لتأتي ثورة 25 يناير بمثابة انقشاعة غمامة الوهم التي حرص الإخوان على رسمها بعناية في أذهان طليعتهم.

الخلافة الإخوانية

يحاول المنهج التربوي لدى جماعة الإخوان المسلمين، غرس قيمة التميز في نفوس أبنائه، وينتزع منهم قيمة المساواة الفطرية التي يستشعرها الطفل منذ نعومة أظفاره، فيصبح كلّ طفل مشروع خليفة مستقبلي يقود راية الإسلام، وتتشكل لدى الطفل سيكولوجية مختلفة، مبنية على اليقين المطلق مما يستقيه من معلميه داخل المدرسة، هذا ما يمكن استنتاجه من كتاب “يوماً ما كنت إسلامياَ”، للكاتب أحمد أبو خليل، الذي يستعرض فيه ذكريات طفولته في كنف الجماعة، التي كان محاطاً فيها بكل ما هو إخواني بامتياز، فلا شيء في العالم حوله غير إخوانه، فالجماعة هي المحور وكل ما عداها يدور في فلكهم، بين الجلسات الدورية لأفرادها المتواجدين باستمرار في قريتهم، والأناشيد الإسلامية التي تطارده ليل نهار كوسيلة ترفيه إخوانية حلال، لا يجوز له الاستماع لغيرها، يتشرب الطفل ثقافة التميز والاختلاف التي تشعره بالأفضلية على من ليسوا إخواناً.

في هذا الشأن؛ تحدث لـ “حفريات” الشاب الإخواني السابق (أ.ي) (28 عاماً)، قائلاً: “أمضيت أعوام دراستي في مدرسة إخوانية؛ لأنّ والديّ كانا من أعضاء الجماعة، وبحكم أنّي كنت محباً للأدب، فكنت أتحدث مع مدرس اللغة العربية عن الأدباء، من أمثال طه حسين، وعباس العقاد؛ حيث إنّ أوّل ما قرأت لطه حسين كانت رواية بعنوان “شجرة البؤس”، وعندما أردت مناقشة معلمي بشأن بعض النقاط في الرواية، نصحني بالابتعاد عن مثل هذه القراءات لأعداء الإسلام مثل طه حسين، كان ذلك في بداية الألفية؛ حيث تشتعل الانتفاضة الفلسطينية، وأحداث 11 سبتمبر، والتي أفهمنا المعلمون وقتها، أنّها انتصار للإسلام على أعدائه في عقر دارهم، منذ ذلك الوقت؛ كرهت الأدب والأدباء باعتبارهم أعداء الدين، وظلّ الجمود يلاحق عقلي، بدأت أشعر من حين لآخر باشتياق لقراءة رواية أو نصوص شعرية، لكن المتنفس الفني الوحيد بالنسبة إلينا في المدرسة، كانت الأناشيد الجهادية التي تردّد بدلاً من تعلم الموسيقى، وبدأ الشقاق بيني وبين الأخوة بعد أحداث مجلس الوزراء، في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2011؛ حيث بدأت المكاشفة بين الجماعة والتيار الثوري، الذي كنت أرغب بالانضمام لصفوفه، دون تلقي أيّة توجيهات من مكتب الإرشاد”.

اغتراب ديني

 

يشكّل استغلال الدين حالة اغتراب تعتم وتحجب إدراك وفهم العالم الاجتماعي على حقيقته، لا كما يتخيله أبناء الجماعة الدينية، وفق ما حاول كل من “كارل ماركس، وفريدريك إنجلز” تأصيله في رؤيتهم للأديان، وما تنطوي عليه سيكولوجيات المتدينين تجاه مجتمعاتهم، أو كما يرصد كتاب “جوهر المسيحية”، للفيلسوف الألماني لودفيج فيورباخ؛ الذي قدم من خلال كتابه موجزاً لأنثربولوجيا الأديان، وصف فيها حالة الاغتراب الديني كحالة من الإسقاط الوهمي يمارسها الإنسان ضدّ وجوده كإنسان والوجود الإلهي معاً، وعلى الصعيد السياسي؛ فإنّ الدين بشكل أساسي يتم استخدامه من قبل الطبقة المسيطرة من أجل إضفاء الشرعية على سلطتها، ومن أجل منع أيّ تمرّد من جانب المسيطر عليهم، بينما امتازت رؤية ماركس وإنجلز لهذا الشقّ، بالنظر إلى البنية الفوقية المكونة لأبناء الجماعة الدينية وغرسها في أذهان أتباعها، والتي لا تتمتع إلّا بقدر ضئيل من الاستقلالية النسبية بالنظر إلى الأساس الفعلي للمجتمع، من حيث قطاع الإنتاج المادي والعلاقات الاجتماعية التي تتشكل فيه.

بعد أحداث العام 2013؛ وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وما أعقبه من أحداث، حاول حاول طلاب الإخوان المسلمين في المدارس والجامعات المصرية، مع بداية العام الدراسي في أيلول (سبتمبر) 2013، استجماع شتاتهم والقيام بأعمال عنف داخل المؤسسات التعليمية، ودعوة زملائهم إلى الإضراب العام عن الدراسة، وتطورت بعدها إلى الاعتداء على أعضاء هيئة التدريس، وكان أشهر تلك الأحداث؛ ما وقع في حرم جامعة الأزهر.

وفي شهادتها عن تلك الفترة تحدّثت (م.ف)، وقد كانت طالبة بالسنة الأخيرة في كلية الصيدلة العام 2013، لـ “حفريات” قائلة: “مع بداية العام الدراسي؛ بدأت طالبات الإخوان في الإضراب عن حضور المحاضرات، وتطور الأمر للشجار بالأيدي مع الطالبات المعارضات لحكم الإخوان، وفي بعض الأحيان وصل الأمر لاقتحام مدرجات التدريس والمعامل، والتطاول على أعضاء هيئة التدريس من الأستاذات والمعيدات، وكانت الطالبات ترتاد محاضراتهن، قمن بإغلاق باب الكلية ومنع الطالبات من الذهاب، حتى جاءت الشرطة، وفضّت هذا العراك الذي تسببت به طالبات الإخوان”.

العنف المباح

وفي لقاء خاص أجرته كلّ من الدكتورة ليلى حسام الدين، أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الأزهر، والدكتورة سوزان نجم الدين، عميدة كلية التجارة جامعة الأزهر، على قناة “دريم” الفضائية المصرية، تحدثتا فيها عن الاعتداء الذي وقع عليهما وعلى غيرهنّ من الأستاذات، من طالبات الإخوان المسلمين، ما دفعهن مضطرات إلى طلب الشرطة، للحفاظ على الحرم الجامعي وعلى بقية الطالبات.

وقد تواصلت “حفريات” مع الدكتورة سوزان نجم الدين، أستاذ المحاسبة المالية بجامعة الأزهر، التي صرحت قائلة: “بعد ثورة يناير؛ كان لشباب وفتيات الإخوان مطلق الحرية في التعبير عن آرائهم داخل الحرم الجامعي، على غرار مساحة التعبير السياسي التي مُنحت للشعب المصري بعد الثورة، ولكن أثبت الإخوان، عبر سلوكهم الفظ، أنّ الحرية لا تكون إلّا فيما يرضيهم، فبعد أن عبّر الشعب عن رفضه لحكمهم في ثورة 30 يونيو، ثاروا وتنكّروا لمبادئهم الإسلامية التي يدّعونها، فاعتدوا على أساتذتهم وعلى حريات زملائهم، وقدموا نموذجاً سيئاً لأنفسهم؛ بل وظهر معدنهم الحقيقي وزيف ادعاءاتهم للديمقراطية”.

كلّ ما صدر من أبناء الإخوان عقب هذه الأحداث كان نتاج الصدمة التي تلقوها بعد الهزيمة  في العام 2013، ولكن في ظل تبعات الثورة، وقف الإخوان بكل شراسة ضدّ كلّ من يختلف معهم داخل وخارج الجامعة، وفق إحدى خريجات جامعة الأزهر (س.م)، التي انضمت إلى جلساتهم بعد أحداث ثورة يناير، التي قالت لـ”حفريات: “قبل سنوات الثورة؛ كان طلاب الإخوان في حالة تخفٍّ عن أنظار أمن الجامعة الذي كان تابعاً وقتها لوزارة الداخلية، وبعد الثورة؛ ميزوا أنفسهم بشارات معلقة على الأذرع، كي يعرفوا بعضهم البعض، وكوني كنت متدينة تديناً شعبياً، ولم أكن مطلعة على فكرهم، وفي خضم الحراك الثوري انضممت إلى جلساتهم، والتي بعد الانشقاق عنها رأيتها بأعين النقد، فقد كانت جلسات تلقين وتنفيذ لأوامر عليا قادمة من مكتب الإرشاد تنفذ بحذافيرها، دون أن يكون للطلاب رأي فيها؛ إذ كانت معظم الأخوات قد تربين منذ الصغر في أحضان الجماعة، ولاحظت مدى التبعية التي تنتهجها معظمهن”.

وتتابع الطالبة حديثها “بينما كان نجمهم يسطع في 2011 و2012، كانت المظاهرات الإخوانية التي تخرج ضدّ شباب الثورة من تيارات 6 أبريل، أو الاشتراكيين الثوريين، أو أيّة تكتلات سياسية أخرى داخل الجامعة، تتميز بالعنف والنيل من أبناء هذه التيارات المعارضة لتواجد الإخوان، ولم يجرؤ أحد من انتهاك حرية الجماعة وقتها، على عكس ما فعلوا بعد أن انقلبت الدفة، فقد أقسموا على أن يحرقوا الأخضر واليابس داخل الحرم الجامعي، بناء على تعليمات القيادة، التي ينفذون أوامرها، بلا أدنى قدر من التفكير في العواقب التي ستطالهم”.

طمس المعرفة

 

تستند عملية المعرفة إلى كلّ العمليات العقلية عند الفرد من إدراك وتعلم وتفكير، وحكم يصدره الفرد، وهو يتفاعل مع عالمه الخاص، ومن هنا يمكن استنباط عملية الطمس المعرفي الذي انتهجه الإخوان المسلمون بحق الصغار، حين تقدم وجبة تعليمية مرصعة باليقين المطلق ومستندة إلى حقائق غير قابلة للنقد، وقد أشار لتلك المنهجية بحث “الإخوان المسلمون”، الذي قدّمه الدكتور ريتشارد ميتشيل، لنيل رسالة الدكتوراه من جامعة برينستون الأمريكية، فمفهوم المعرفة لا يتواجد في منهاج التربية داخل الجماعة، بحسب وجهة نظره، بل إنّ الأمر لا يتجاوز عملية التلقين وسيكولوجية الوهم الناتجة عن عزل النشء عن محيطهم الاجتماعي.

بيدّ أنّ ثمرة عملية الطمس مثلت صدمة عنيفة في أنفس العديد من شباب الإخوان، الذين كانت نشأتهم في رحاب الجماعة، وهم من دفعوا الثمن، بين تحمل تبعات قاداتهم، وبين الأزمات النفسية التي لم تطب بعد، فمنهم من انشق بلا رجعة، ويحاول إعادة هيكلة عقله والتفاعل مع الواقع الحقيقي لا الواقع الذي رسمته الجماعة، ومنهم من انتهج العنف للدفاع عن أفكاره التي تشربها رغماً عنه، دون إعمال العقل فيما سيعود عليه، ودون إدراك لمحيطه الاجتماعي، وشعور بالانتماء الوطني.

نقلا عن حفريات


تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى