سياسة

الغرياني والغنوشي.. المؤامرة الإخوانية الجديدة


الوجود الإخواني في جميع مراحله اعتمد على ذاكرتنا التي هي مرهونة دائما بالنسيان.

 

واعتمد على سياسة النفس الطويل التي تجعلهم يجيدون فكرة الاختفاء الممنهج، ثم الظهور التدريجي المتسرب خفية لنكتشف فجأة عودتهم إلى الواجهة بجسد إخواني مكتمل.

لكن لحظهم السيء بات هناك كثير من العقول التي تدربت على حيلهم الماكرة فأصبحوا راصدين جيدين لتحركاتهم الحرباوية .

هذا الوعي المتعمد من تلك النخبة الفاهمة للإخوان يعود إلى أن فكرة التراخي معهم تدفع ثمنها الشعوب من دمائها والدول من استقرارها.

مؤخرا حدثت مجموعة متغيرات قد تمر أمام الجميع مرور الكرام، لكن بقليل من التحليل والتمحيص والرصد سنكتشف أننا أمام خطة كاملة المعالم، عنوانها إعادة تشكيل جسد تنظيمي للإخوان في المنطقة العربية بل وفي العالم كله “عبر التنظيم الدولي للإخوان”.

أول هذه المتغيرات هي تصرفات وتحركات راشد الغنوشي، في تونس على محورين، المحور التركي والمحور الليبي.

ثانيا: ظهور “الصادق الغرياني”، المسمى بمفتي الفتنة أو “مفتي قطر” عبر فيديو أذيع على جميع شاشاتنا العربية، يحلل بل ويشرعن عبر آيات القرآن الكريم ثروات ليبيا للأتراك وليس لغيرهم حتى لو كانت هناك دولة صديقة.

هنا نحنا أمام تجسيد حقيقي لبناء قيادة جديدة للإخوان في المنطقة وفي العالم.

هذا الشكل دائما يكون مستندا على قدمين، قدم تمثل الفتوى “المفتي” أو الغطاء الشرعي.

وقدم أخرى تمثل السياسة والممارسة السياسية المنضوية ضمن الدولة.

فكما تم تشكيل هذا الجسد الإخواني ما بعد الموجة الأولى لما يسمى “الربيع العربي” متمثلا في “يوسف القرضاوي” كمفتٍ شرعي، و”محمد مرسي” وبجواره “خيرت الشاطر” ممارسا سياسيا.

الآن نرى هذه الثنائية متمثلة في “الصادق الغرياني” بدور المفتي و”راشد الغنوشي” ممارسا سياسيا.

طبعا إذا تجاوزنا الهيكلية البنائية التي يعتمد عليها التنظيم، ويصدرها لنا مثل المرشد وأمين السر وغيرها من المسميات.

فالحقيقة أن التقسيم الحقيقي والمنطقي للجماعة يتأتى من أدبياتها باعتبارها جماعة تتخذ من الدين ستارا ومبررا من أجل الوصول إلى الحكم، يعني أنها تحتاج “مفتيا” مثل “القرضاوي” أو “الغرياني”، وممارسا سياسيا له قدم في الدولة والحكومة.

وبالتالي كان الاختيار دقيقا جدا، فالغنوشي بالنسبة لهم هو وجه إخواني عاش تجربة الغرب، ابن التنظيم الدولي أكثر من كونه إخوانيا مناطقيا عربيا.

يمثل أكبر فصيل إخواني مازال قادرا على البقاء بعد ضربتهم المميتة في مصر، والتي تلقوها على أيدي الشعب الذي سحقهم في ثورة الثلاثين من يونيو 2013.

وفشلهم حتى الآن رغم العمليات الإرهابية التي تتم في سيناء وفي بعض المدن المصرية.

وبالتالي بقاؤهم في تونس صامتين منذ ما بعد 2013 وتراضوا أن يتراجعوا إلى الصفوف الخلفية في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

كثيرون وقتها كانوا على يقين بأنهم يعيدون ترتيب صفوفهم واختيار النقطة الأضعف في المنطقة العربية ليطلقوا مشروعهم من جديد.

وفعلا مع وفاة الرئيس السبسي، بدؤوا في الظهور حيث أنهم يجيدون فكرة الوصول لشرائح المجتمعات المنهكة والفقيرة بنفس الكيفية التي يجيدون فيها لعبة ترتيب الانتخابات، فعلا ومع مجيء الرئيس قيس سعيد لرئاسة تونس، أعلنوا عن وجههم الحقيقي كلاعبين فاعلين في كل الترتيبات السياسية، ورأينا ما حدث في منصب رئاسة الحكومة والبرلمان، وأصبحنا بين ليلة وضحاها نرى حركة النهضة التونسية الإخوانية تسيطر على البرلمان، بل وتسيطر على حكومة الياس الفخفاخ كيفما تشاء.

ومع أول تمكين حقيقي لهم انتقلوا إلى مرحلة انكشاف الأهداف، لتبدأ مرحلة الخروج من “التقية السياسية”.

إخوان ما بعد 2013، ليس لهم داعم سياسي سلطوي سوى “أردوغان” – وليس الأتراك – فهناك فرق وهذه نقطة مهمة.

لأن ليس كل الأتراك شعبا وسياسيين هم إخوان أو يؤيدون الإخوان، فهناك فصيل يمثل الأغلبية الغالبة يرون أن ما يفعله أردوغان تهورا سياسيا من أجل تنفيذ مشاريع أردوغانية أكثر من كونها تركية.

أردوغان يسعى لتحقيق مشروعه الشخصي ومن خلفه الفريق الذي يؤمن به وفقط، وكما للإخوان داعم سياسي قوي مثل “أردوغان” فلهم داعم اقتصادي أيضا قوي متمثل في قطر.

الميزانية الاقتصادية الداعمة لحركة الإخوان وهي الرحم الرئيسي لبقية حركات الإسلام السياسي والحركات التكفيرية هي ميزانية ضخمة جدا.

ظل أردوغان وقطر يتوليان الترتيب لإعادة الجسد التنظيمي والعقائدي للإخوان طوال السبعة أعوام الماضية حتى بدأت تتجلى ملامح تلك العودة كما أوضحت.

نبدأ بالملمح الأول أو القدم الأولى للجسد والمشروع الإخواني المتمثل في الشق السياسي وهو “الغنوشي”.

هنا تأتي تونس، فكما كانت مصر ما بعد 2011 هي مرتكز انطلاق المشروع الإخواني الذي استمر حتى وصول “محمد مرسي” إلى سدة الحكم وانتهى في 2013 بثورة 30 يونيو المباركة.

كان الاستقرار على تونس” لتكون هي المنطلق الجديد، هذا الاختيار فرضته كثير من الظروف التي نجحوا في تطويعها لصالحهم مثل بقاء إخوان تونس متماسكين، ضعف الدولة التونسية في السنوات الأخيرة للرئيس الراحل “السبسي”، تركيز الضربات الإرهابية في جسد الدولة التونسية ويمكن لكم أن تعودوا إلى كم العلميات الإرهابية التي تمت في السنوات الأخيرة وكان المقصود منها تخويف الناس ليتم استغلالهم في أول محطة انتخابية وهذا ما تم فعلا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

فالهدف كان ضرب الاقتصاد وإفقار الناس لأنهم يجيدون التعامل مع الشعوب الفقيرة جديا.

تونس أيضا قريبة إلى ليبيا بل هي لاعب مهم في مجموعة دول جوار ليبيا، وتجاور حدودها تمكن “أردوغان” من توصيل الإمدادات إلى حكومة السراج.

ليبيا منفذ مهم لتهديد الغرب عبر ورقة الهجرة غير الشرعية و “أردوغان” يجيد المتاجرة بورقة اللاجئين مع الغرب، ظهر هذا جليا خلال اللاجئين السوريين وكيف استطاع أن يحلب الغرب بكثير من مليارات الدولارات.

كلها عوامل اكتشفنا أن الإخوان ومعهم “أردوغان وقطر” كانوا يمارسون خبثهم طوال السنوات السبع الماضية.

هنا بدأ التنفيذ مع استتباب الأمر للغنوشي وحركة النهضة، فرأينا زيارة أردوغان الشهيرة إلى تونس، ولقائه بالرئيس “قيس سعيد”، كانت تلك الزيارة مثيرة للجدل حقا، خصوصا ما صرح به أردوغان بعد عودته إلى “أنقرة”، حيث بدأ يعلن أنه وقع اتفاقا مع الساسة في تونس على دعم حكومة السراج، بعد أن تزامنت الزيارة مع تمرير مشروع في البرلمان التركي يسمح لأردوغان، بإرسال قوات وعتاد إلى السراج، بعد أن وقع معه الاتفاقية المزدوجة الأمنية والعسكرية.

لم يكن الغنوشي غائبا عما يدور، بل كان هو المخطط والمدبر، وكانت الزيارات المتبادلة واضحة وقتها.

ثار البرلمان التونسي أو بعض كتله الوطنية، وارتفع غضب الشارع، لكن الحرباء الإخوانية تجيد التعامل مع الانفعال الشعبي بالصمت ثم المضي فيما يريدون.

يتبع..

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى