العالم وأمن الخليج
كل المؤشرات تؤكد أن الهجوم الذي استهدف منشأتين نفطيتين في المملكة العربية السعودية، هو في حجمه ونوعية الأسلحة المستخدمة فيه، أكبر بكثير من قدرات الجماعات الحوثية، رغم تبني هذه الأخيرة له، ولا ينحصر الأمر في الجانب التقني واللوجستي وحده، وإنما يشمل الجهة التي يمكن أن تأخذ قراراً بشن هجوم بهذه الخطورة، وهي تدرك حجم التبعات التي ستترتب عليه.
لن يغير نفي إيران مسؤوليتها عن الهجوم أو ضلوعها فيه من حقيقة أنه ما كان سيتم دون موافقتها ومشاركتها، بل إن إيران ضمناً تخفق في إخفاء ذلك حين تدافع عن إعلان الحوثيين تبنيهم الهجوم، كأنها لسان حالهم، أو كأنها تؤكد أنهم يقولون ما تريد هي قوله.
نحن إزاء تصعيد خطر ونوعي للتوتر الذي تعيشه المنطقة على خلفية الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، وهذا التصعيد لا يمس فقط استقرار دول المنطقة وسلامة شعوبها وإنما يمس منظومة الأمن العالمي كاملة، بالنظر إلى ما تمثله منطقة الخليج العربي من أهمية اقتصادية واستراتيجية، مما يتطلب ضمان الأمن والاستقرار فيها، واحترام سيادة جميع الدول وحماية حدودها من المخاطر.
لقد رأى العالم بوضوح كيف أثّر الهجوم في أسعار النفط في السوق العالمية مباشرة، وفيما يتصل بالمملكة العربية السعودية بالذات فإنها أكبر منتج للنفط في العالم؛ إذ تنتج 10 في المئة من مجمل إنتاج النفط العالمي، وقد رأينا كيف أن استهداف منشأتي النفط فيها أدى إلى انخفاض بلغت نسبته 50% من الإنتاج النفطي السعودي، ووعدت السعودية بالتغلب على هذا التراجع خلال فترة وجيزة، حددها المسؤولون بأسبوعين.
انطلقت دعوات من دول وجهات كثيرة بينها الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا بضرورة ضبط النفس في المنطقة، كما استنكر الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم، داعياً لعدم التصعيد وضبط النفس وسط التوترات المتزايدة، والامتثال للقانون الإنساني الدولي.
بيانات الإدانة الدولية خطوة جيدة لكنها ليست كافية، العالم كله -خاصة الدول صاحبة الاقتصادات الكبرى التي تعتمد كثيراً على النفط المنتج في السعودية وفي بقية دول المنطقة- أمام مسؤولية دقيقة، فالمطلوب فرض آلية دولية تحت رعاية الأمم المتحدة مدعومة من الدول الكبرى بما فيها الصين وروسيا، ومشاركة دول المنطقة، تضمن حرية وسلامة الإنتاج النفطي وحرية الملاحة، وهذا لن يكون ممكناً إلا بنزع فتيل التوتر وتسوية النزاعات سلمياً، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وهو تدخل بلغ حد إيجاد أذرع عسكرية فيها تدار من الخارج.
نقلاً عن “الخليج”