إن بلدًا مثل السويد في شمال القارة الأوروبية لا يخفى تأثره الكبير بما جرى ويجري في أوكرانيا.
ومسألة طلب العضوية في حلف شمال الأطلسي، إلى جانب جار المصير والجغرافية فنلندا، ربما تكون من أكثر المسائل المعقدة، والتي ستلقي بظلالها على نتائج الانتخابات العامة في شهر سبتمبر/أيلول القادم.
ولا تختلف تفاصيل خارطة الأحزاب السياسية في السويد كثيرًا عن بقية دول أوروبا الغربية، فالحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، صاحب التوجهات الليبرالية المعروفة، استطاع أن يحكم البلاد لفترات طويلة، ولم ينازعه السلطة إلا حزب المحافظين، المعروف باسم حزب “Nya Moderaterna” بحسب اللغة السويدية.
وبقية الأحزاب، التي تتنافس في انتخابات هذا العام، تدور تقريبًا في فلك التحالفات المعروفة، إما مع الديمقراطي الحاكم وإما المحافظين، لكن دون أي تأثير يذكر لها، سوى حزب اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، والمعروف باسم حزب السويديين الديمقراطيين.
فهذا الحزب يميل إلى خلق مُناخ من العداء المستمر للوافدين الجدد، ويسعى لزيادة عدد أعضائه في البرلمان السويدي، عبر نشر خطاب تعبوي، يحفل بكثير من الأضاليل، بحسب منتقديه من الأحزاب السياسية التي ترفض التعاون معه تحت قبة البرلمان الأشهر في إسكندنافيا.
وبالحديث المباشر عن انقلاب الأمور رأسًا على عقب في أوروبا بأسرها، والسويد جزء أصيل منها، على إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، تحاول السويد إحاطة نفسها بكثير من المحاذير السياسية والاقتصادية، وحتى الأمنية، ساعية في الوقت نفسه إلى عدم استفزاز روسيا بشكل مباشر وترك الباب مواربًا كما يقال.
لكن مع قرب الاستحقاق الانتخابي بدأت الخلافات الشكلية والضمنية بين الأحزاب تطفو على السطح، من أجل التأسيس لمرحلة جذب الجمهور وتحصيل الأصوات، وكذلك الحصول على أموال المتبرعين، تلك التي تحتاج إليها خزائن الكيانات الحزبية السويدية حاليا.
ويرى الحزب الاشتراكي السويدي الحاكم نفسه الأوفر حظا بالظفر بأعلى الأصوات، لأسباب خارجية، يستند فيها إلى وجود نظيره “الديمقراطي” في الحكم داخل أمريكا، مصدّرا لجماهيره خطابا مفاده أنه الأقدر على خلق شراكة استراتيجية مع واشنطن، وأن حزبه ينتمي للمدرسة الديمقراطية ذاتها في أمريكا.
ورغم هذا، فإن قاعدة الحزب الرئيسة، لا سيما الشبابية منها، ترفض بالمطلق فكرة خروج السويد من عباءة الحياد العسكري والسياسي، ويطالب شباب الحزب علنا قادتهم بالتراجع عما أسموه “خطوة المغامرة بالدخول إلى بيت الناتو في بروكسل”.
وقريبًا من الانتخابات بمفرداتها المجتمعية، يشارك العديد من أبناء الجالية العربية هذا العام في هذا الموسم الانتخابي الساخن، كمرشحين وليس كناخبين فقط، نتيجة حصول عدد كبير من اللاجئين السوريين على الجنسية السويدية، وانتساب معظمهم لأحزاب معروفة، ترى في ترشيح قسم منهم، محاولة مباشرة لكبح جماح الخطاب السياسي المُعادي للهجرة والمهاجرين.
وكون السويد دولة غير مؤثرة بشكل مفصلي في تقلبات هذا العالم أو حتى السياسات الأوروبية الكبيرة، فإن المخاض العسير الذي تمر به هو مؤشر مباشر على تبعات ما بعد الخصومة الأوروبية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى هذا الأساس يتحدد شكل الحكم في بلد أوروبي مهم، من خلال انتخابات مرتقبة، تُعتبر الأولى من نوعها بعد مغادرة السويد قطار الحياد الشهير، الذي ركبت به كدولة منذ قرنٍ من الزمن.