سياسة

الخلافات الداخلية تعصف بحزب إخوان الجزائر وتدفعه نحو الانقسام


برز خلاف كبير داخل قيادة حركة مجتمع السلم (حمس)، الذراع السياسية للإخوان في الجزائر، وتجلى الانقسام خلال العام 2025 بين جناح الرئيس السابق للحركة عبد الرزاق مقري. وبين جناح الرئيس الحالي عبد العالي حساني شريف. 

ويعود أصل التوتر إلى نهاية العام 2024 حين اعترض مقري بشكل علني على آلية ترشيح حساني شريف كمرشح الحركة للانتخابات الرئاسية​، ونشر مقري تدوينة انتقد فيها بشدة مجريات اجتماع شورى الحركة الذي أسفر عن ترشيح حساني بدلًا منه. وقد اعتبر مقري أنّ ما جرى “إرجاع الحركة فعليًّا إلى ما قبل 2013″، أي إلى نهج المشاركة مع السلطة. واصفًا ذلك بأنّه “خروج عن مبادئ” (حمس) التي رسخها خلال توليه القيادة​، وفي المقابل شدّد حساني شريف في خطاب ترشحه على استقلالية قرار الحركة وسيادته.

ومع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وحصول مرشح (حمس) حساني شريف على نحو 3% من الأصوات، ظهر خلاف أعمق داخل الحزب​. واعتُبرت النتيجة مخيبة الآمال للحركة، وتصاعدت التساؤلات حول غياب مقري التام عن حملة دعم مرشح الحزب. وردّ مقري بتفصيل الملابسات في مقال مطوّل، وجّه فيه انتقادات حادة للقيادة الحالية، متهمًا إيّاها بالتمهيد للتقارب مع السلطة والعودة إلى المشاركة الحكومية “تحت مبررات سياسية واهية”​، وبلغ الأمر بمقري أن صرّح بأنّ قرار ترشيح حساني “فُرض عليه من السلطة”.

مرشح (حمس): حساني شريف

تكريس الانقسام

هكذا انقسمت الحركة داخليًّا إلى فريقين: تيار مقري الرافض لأيّ تعاون مع النظام. وتيار حساني الساعي إلى نهج أكثر تصالحًا مع السلطة. وبالرغم من حدّة الخلاف، لم يُعلن خلال 2025 عن اجتماع مباشر يجمع مقري وحساني شريف لحلّ الأزمة. وأكّد مقري أنّه طوال فترة الحملة الانتخابية، لم يتم التشاور معه أو تكليفه بأيّ دور من قبل قيادة الحركة أو من مدير الحملة. وقال صراحة: “لم يُدرج اسمي في برنامج الحملة، ولم يتصل بي لا رئيس الحركة، ولا أيّ عضو من مكتبه”​. بالرغم من أنّه تم إشراك جميع قيادات الحركة السابقين في الحملة. حتى أنّه كشف عن رسالة بعثها إلى رئيس مجلس شورى (حمس) في أواخر أيام الحملة، تظلّم فيها من اتهامه بـ “التخلف” عن دعم المرشح​. 

هذه الرسالة، والغياب عن الحملة، عكسا القطيعة بين الطرفين في تلك الفترة. وعلى الصعيد التنظيمي استمرت الاجتماعات الدورية لهيئات الحركة بقيادة حساني شريف. وعقد المكتب التنفيذي الوطني ومجلس الشورى دورات عادية في مطلع 2025، بحضور قيادات الحركة جميعها​. 

ورغم عدم الإعلان عن أيّ لقاء ثنائي بين مقري وحساني، فإنّ هذه الاجتماعات شكّلت إطارًا غير مباشر لالتقاء وجهات النظر. وتوقّع المراقبون أن تشهد مجالس شورى (حمس) نقاشات ساخنة لتقييم نتائج الرئاسيات​. لكن فعليًا بقي التواصل بين جناحي الخلاف محدودًا ضمن الأطر المؤسساتية الرسمية، دون مبادرة خاصة لجمع مقري وحساني على طاولة حوار مشتركة خلال عام 2025.

التحركات والوساطات لرأب الصدع

سعى قياديون في (حمس) إلى تطويق الخلاف داخليًا، ومنع تفاقمه نحو انشقاق علني. وبرز دور مجلس الشورى بوصفه الهيئة العليا، وناقش أعضاؤه بحدّة مسار الحزب بعد الانتخابات. وفي إحدى جلسات المجلس حضر أبو جرة سلطاني، الرئيس السابق للحركة. والذي يُعرف عنه تبنّي نهج المشاركة مع النظام، ووجّه كلمة للقيادة الجديدة قال فيها: “لقد عدتم بعد (10) أعوام إلى نهجي”​. 

ويعكس هذا التصريح محاولة ضمنية لتأكيد صحة خيار حساني شريف، بالعودة إلى خط المشاركة. وكذلك التعريض بمواقف عبد الرزاق مقري. ودافع ناصر حمدادوش، نائب رئيس الحركة. علنًا عن حساني شريف في وجه الانتقادات، معتبرًا أنّه أدار الحملة الانتخابية بكفاءة، وأظهر قدرات قيادية عالية​. 

هذه المواقف من شخصيات وازنة في (حمس) شكّلت نوعًا من الاصطفاف الداخلي إلى جانب حساني، لكنّها في الوقت نفسه كانت رسائل تهدئة موجهة لطمأنة قواعد الحزب بوجود إجماع قيادي. 

على المستوى السياسي الأوسع، جرت بعض الاتصالات غير المباشرة للحيلولة دون تفكك الحزب. ولم تُعلن وساطات رسمية من خارج (حمس). لكنّ التجارب السابقة للانشقاقات والوحدة في الحركة حضرت في الأذهان. 

إجمالاً، انحصرت محاولات رأب الصدع داخل البيت الإخواني، عبر الحوار الداخلي والبيانات التطمينية، وتأكيد أنّ الخلاف سياسي في الرؤى. ويمكن استيعابه ضمن مؤسسات الحركة دون الحاجة إلى تدخل خارجي.

من جهته، أبدى عبد الرزاق مقري حرصه على التعاون رغم الخلاف. لكنّه أوضح أنّ ذلك لم يتحقق بسبب تجاهل الطرف الآخر. قائلاً: “كنتُ أرغب في مواصلة التعاون مع القيادة الحالية، إلّا أنّ ذلك لم يحدث لأسباب لا تتعلق بي شخصيًا”​. كما شدد أنّه على الرغم من كل ما جرى، فهو ما يزال عضوًا في الحركة يقوم بواجباته تجاهها​، ما يعني ضمنيًا أنّه منفتح على أيّ تواصل ضمن إطار الحزب. غير أنّ مقري انتقد غياب قنوات الحوار المباشر، موضحًا أنّه لم يُدعَ لأيّ لقاء تشاوري، وأنّ القيادة تصرفت وكأنّه غير موجود.

مقري وضع ضوابط للحوار مع جناح حساني، تتعلق بوجود منافسة حقيقية واحترام قناعته المعارضة لنهج السلطة. عبد العالي حساني شريف من جانبه اتخذ موقفًا حذرًا إزاء فكرة أيّ لقاء ثنائي خارج الأطر الرسمية. ولم يوجّه حساني دعوة علنية لمقري للجلوس معًا، بل ركز في تصريحاته على العمل المؤسساتي واحترام قرارات الشورى. وأشار في عدة مناسبات إلى أنّ قرار المشاركة في الرئاسيات كان قرارًا جماعيًا مستقلاً اتخذه مجلس الشورى بأغلبية، وليس بقرار فردي منه​. وفي تعليقه على انتقادات مقري، اكتفى بالتأكيد أنّ “حرية الرأي مكفولة داخل الحركة”. وأنّ الاختلاف السياسي أمر وارد، ولا يفسد للودّ قضية​، في إشارة إلى أنّ مكان النقاش هو هيئات الحزب الرسمية. 

احتمالات الانشقاق أو تأسيس حزب إخواني جديد

استحوذ احتمال انشقاق داخل (حمس) في الأشهر الأخيرة على اهتمام واسع في الأوساط السياسية والإعلامية بالجزائر. ورأى كثيرون أنّ سيناريو خروج جناح مقري. وتأسيسه تيارًا أو حزبًا جديدًا هو أمر وارد مع تعمّق الخلاف. 

وأشارت تحليلات صحفية إلى تاريخ الحركة الحافل بالانشقاقات؛ من انفصال عبد المجيد مناصرة. وتأسيسه جبهة التغيير عام 2009، إلى خروج عبد القادر بن قرينة. وإنشائه حركة البناء الوطني، وصولاً إلى انشقاق عمّار غول وتأسيسه حزب تاج​. 

استحوذ احتمال انشقاق داخل (حمس) في الأشهر الأخيرة على اهتمام واسع في الأوساط السياسية والإعلامية بالجزائر

بناء على ذلك، تم التحذير من أنّ “شبح انقسام جديد داخل الحزب الإخواني قائم فعلًا” إذا استمرت التوترات بين مقري وحساني دون حل​. وتساءل مراقبون صراحة: هل يُقدم عبد الرزاق مقري على إنشاء حزبه الخاص؟​

من جهته، لم يُعلن مقري أيّ نية رسمية للانشقاق. على العكس حرص في تصريحاته على أنّه باقٍ في صفوف (حمس)، ويعمل لصالحها رغم تهميشه، قائلًا: “أنا عضو في الحركة. ولم أتوقف عن أداء واجباتي تجاهها”​. 

هذا التمسك العلني بالحزب قابله في الكواليس حراك من أنصاره يحذرون من “انحراف” نهج القيادة الحالية، ويترقبون ما ستسفر عنه المرحلة القادمة. وبالفعل بدأ الإعداد لمرحلة مقبلة قد تشهد ظهور حزب إخواني جديد يقوده مقري.

 في المقابل، أكد جناح حساني شريف أنّه ماضٍ في تنفيذ برنامج الحركة، وفق ما أقره المؤتمر الثامن ومجلس الشورى، في إشارة إلى عدم اكتراثه بتهديدات أنصار مقري بالانشقاق. ورغم عدم تأسيس أيّ تيار موازٍ رسمي داخل (حمس) حتى الآن، يمكن ملاحظة تبلور جناح معارض داخلي يدور في فلك مقري، يضم بعض القيادات والشباب المتأثرين بخطابه. هؤلاء عبّروا عبر وسائل التواصل عن رفضهم “تبديل جلد الحركة”، والانخراط فيما يعتبرونه صفقة مع السلطة.

في الوقت نفسه استمر مقري في نشاطه الفكري والسياسي خارج الجزائر، من خلال منتدى كوالالمبور وغيره، وبدأ في التحرك السياسي بشكل منفرد، ممّا عزز التكهنات بأنّه في حال تفاقم الخلاف. وإذا اتجهت (حمس) رسميًا للمشاركة في حكومة أو تحالف موالٍ للسلطة. فقد نشهد إعلان مقري عن كيان جديد، يستقطب رافضي ذلك النهج. خاصّة أنّ مقري وصف نهج القيادة الجديدة بأنّه “خيانة للمبادئ”، ولوّح بأنّ استمراره مرهون بتصحيح المسار​. 

وعليه أصبحت (حمس) أمام مفترق طرق صعب: إمّا نجاح جهود التهدئة الداخلية واستيعاب الخلاف تحت سقف الحركة، وإمّا خطر انشقاق تاريخي يُعيد رسم المشهد الإخواني في الجزائر.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى