الجزائر والمغرب… هل تُولد شراكة مغاربية من رماد القطيعة؟

في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة وبين تصاعد الأزمات الدولية وتحولات النظام العالمي، يُجدد المغرب وبصوت هادئ وواثق، دعوته إلى الجزائر: تعالوا لنبني معًا مستقبلًا مشتركًا، في ظل الاحترام والتكامل والتاريخ الموحد.
هذا النداء المغربي، المتكرر منذ سنوات، لم يكن يومًا تكتيكًا دبلوماسيًا عابرًا، بل خيار استراتيجي يعكس رؤية ملكية متبصرة، ترى أن مستقبل الشعوب لا يُبنى على العداء، بل على الحوار.
-
العزلة الإقليمية والضغوط الاقتصادية تدفع الجزائر لكسر الجليد مع إسبانيا
-
زيارة داتي للصحراء المغربية تؤجج التوتر السياسي في الجزائر
خطاب ملكي… بلغة التاريخ والمصير
في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش (يوليوز 2025)، وضع الملك محمد السادس نقطة نظام جديدة في سجل العلاقات المغاربية، قائلا بوضوح “وبصفتي ملك المغرب فإن موقفي واضح وثابت وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين والجغرافيا والمصير المشترك. لذلك حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين. وإن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويًا على تجاوز هذا الوضع المؤسف. كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة.”
بهذا الموقف، يواصل المغرب تعبيد طريق المصالحة الحقيقية، عبر لغة المسؤولية، لا الاتهام، وعبر نداء تاريخي يتجاوز اللحظة السياسية إلى مشروع استراتيجي لبناء مغرب عربي قوي، متماسك، ومزدهر.
-
حافة القطيعة.. أزمة جديدة تعصف بالعلاقات بين فرنسا والجزائر
-
الجزائر ترد على تهدئة فرنسا بتصعيد الموقف
الصحراء المغربية: منطق الحل لا العائق
في قلب هذه الدعوة، تُطرح قضية الصحراء المغربية باعتبارها المحور الذي لا يمكن تجاهله، ولكن أيضًا كبابٍ للحل وليس للعقبة، فالمغرب يضع على طاولة الأمم المتحدة والمجتمع الإقليمي والدولي مقترحًا وطنيًا سياديًا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل جاد وواقعي وذي مصداقية.
وقد حظي هذا المقترح بدعم متنامٍ وغير مسبوق، تقوده ثلاثة من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة، فرنسا، والمملكة المتحدة.
إنه حل “لا غالب فيه ولا مغلوب”، يحفظ كرامة الجميع، ويضمن استقرار المنطقة، ويمهّد لبناء فضاء مغاربي متكامل. وهو ليس تنازلًا، بل نموذج للذكاء السياسي والسيادي في إدارة الأزمات الممتدة.
-
فرنسا والمغرب.. هل تكون الزيارة الملكية بوابة نحو شراكة متجددة؟
-
التقارب الفرنسي المغربي يضع الرئيس الجزائري في وضع حرج
اتحاد المغرب العربي: مشروع معطل في زمن الحاجة
منذ توقيعه سنة 1989، ظل اتحاد المغرب العربي أسيرًا للتجاذبات الثنائية، وفي مقدمتها النزاع المصطنع حول الصحراء. واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الجمود، تتراكم التحديات أمام شعوب المنطقة: أمن غذائي ومائي، طاقة، هجرة، تغير مناخي، توترات الساحل، ومخاطر الإرهاب.
في هذا السياق، لم تعد الحاجة إلى اتحاد مغاربي خيارًا سياسيًا. بل أصبحت ضرورة إستراتيجية عاجلة. وقد عبّر عنها الملك محمد السادس في خطابه، قائلاً “نحن في حاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تكتل مغاربي قوي، قادر على الدفاع عن مصالح شعوبه. وتأمين موقعه في النظام العالمي الجديد، الذي يعاد تشكيله على أسس المصالح والتحالفات الإقليمية.”
إنه تصور متكامل، يربط بين تصفية الأجواء الثنائية وبين بعث المشروع المغاربي المشترك، على قاعدة التعاون وليس الاصطفاف.
-
تحالف الطاقة بين مالي والنيجر يُربك حسابات الجزائر في المنطقة
-
الدعم الأميركي لمغربية الصحراء يثير ارتباكاً في الموقف الجزائري
لماذا لا تُجاب هذه اليد الممدودة؟
الواقع أن المغرب لم يتخلّ أبدًا عن مبدأ حسن الجوار. بل، وعلى الرغم من إغلاق الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية، لم ينزل إلى مستوى الاستفزاز. ولم يهاجم الجزائر في خطاباته الرسمية، بل ظل يكرر دعوة الحوار، بروح أخوية وواقعية مسؤولة.
لكن السؤال الذي يُطرح بإلحاح هو: لماذا لا تُقابَل هذه اليد المغربية الممدودة بآذان صاغية من الجهة المقابلة؟
هل لا تزال بعض الدوائر في الجزائر أسيرة مواقف الحرب الباردة، وحسابات الهيمنة الإقليمية القديمة؟ أم أن الوقت قد حان لتغليب منطق التاريخ المشترك. واللغة الواحدة، والدين الواحد، والجغرافيا الواحدة؟
-
واشنطن تفضح تزييف الجزائر لموقفها من مغربية الصحراء
-
نظرية المؤامرة: الجزائر تزعم هجومًا مغربيًا فرنسيًا على أراضيها
المغرب لا يساوم، بل يقترح مخرجًا شريفًا للجميع
إن اليد المغربية الممدودة ليست ضعفًا، بل نُبل سياسي وذكاء استراتيجي. والمبادرة ليست تراجعًا، بل رغبة صادقة في الخروج من الأزمة بحل يحفظ ماء الوجه، ويضع أسسًا جديدة للتعايش والتكامل.
فالمغرب لا يدعو إلى تطبيع سطحي، ولا إلى مجرد علاقات شكلية، بل إلى حوار صريح، مباشر، دون وساطات ولا شروط، حول كل القضايا العالقة. بما فيها الحدود والتنسيق الأمني وتفعيل المؤسسات المغاربية.
نداء ملكي باسم شعوب تنتظر المصالحة
إن الخطاب الملكي الأخير ليس مجرد تصريح سياسي، بل هو وثيقة رؤية واستشراف. تضع أمام الجزائر وشركاء المنطقة لحظة تأمل عميق في المصير المشترك.
المغرب يقول: نحن مستعدون دائمًا للحوار، نؤمن بالأخوة، ونثق في المستقبل المشترك.
فهل من قيادة جزائرية تمتلك الشجاعة للرد على هذا النداء، ليس فقط باسم النظام. بل باسم ملايين المغاربة الذين يحلمون بقطار موحّد نحو التنمية والسلام؟
الزمن لا ينتظر، والتاريخ لا يرحم من يتردد أمام الفرص النادرة. والمغرب، من جانبه. سيبقى ملتزمًا بخيار العقل، وبصوت الحكمة، وبيد ممدودة لا تنكسر.