التطبيع.. وازدواجية الإسلاميين
تضافرت عوامل كثيرة في تونس لتنتج جدلاً محتدماً حول التطبيع مع إسرائيل، منها: إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاشر من الشهر الجاري، واتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما.
صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت، الاثنين الماضي، عن مصادر قريبة من الإدارة الأمريكية قولها: إن تونس وسلطنة عمان قد تلتحقان بالدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، وهي إشارة دفعت الخارجية التونسية إلى إصدار بيان أكدت خلاله أنها غير معنية بالتطبيع، وأن موقفها لا يتأثر بالتغيرات الدولية.
السجال التونسي حول التطبيع كان مشوباً بصمت إسلاموي مريب.. صمت قطاع مع الصخب الذي اندلع في شهر أغسطس الماضي، عندما أعلنت دولة الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث أصدرت حركة النهضة بياناً غاضباً في اليوم التالي لإعلان الاتفاق، لكن النهضة نفسها، صمتت عن القرار المغربي الأخير.
غضب النهضة من تطبيع هناك، وصمتها عن تطبيع هنا، يمكن سحبه على غالبية التيارات الإسلامية في العالم العربي، وليس في الأمر مراجعة للمواقف الإسلامية من التطبيع أو للقضية الفلسطينية أو لخيارات المقاومة، بل الفرق كامن فقط في أن الحكومة المغربية هي حكومة إسلامية.
صحيح أن قرار التطبيع المغربي كان نابعاً من مبدأ مفاده: إن العلاقات الدبلوماسية تخضع للمؤسسة الملكية، لكن موقف الإسلاميين في المغرب كان مؤيداً للفكرة وللقرار، وهذا حقهم السياسي والفكري، لكن مربط الفرس في الازدواجية، فقد ترتب عن القرار هرولة الكثير من إسلاميي المغرب، إلى البحث عن مسوغات فقهية ودينية لقرار سياسي يتقصد أهدافاً ومصالح سياسية واقتصادية.
كما ترتب عن ذلك أيضاً أن التقط بقية إسلاميي المنطقة، تلك التسويغات فصمتوا أولاً عن نقد «التطبيع» كما دأبوا، ثم انطلقوا في ترديد تلك التسويغات الفقهية من قبيل «الضرورات تبيح المحظورات».
يقيس الإسلاميون كل القضايا بمسطرة المصلحة والانتماء الأيديولوجي، فقد صمتوا طويلاً عن العلاقات القديمة المتطورة التي تبرمها تركيا وقطر مع إسرائيل، ثم انتفضوا غضباً وتنديداً، الصائفة الماضية، عندما أعلنت أقطار عربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ثم عادوا إلى الصمت في الحدث المغربي، تفادياً لتوجيه النقد لحكومة سعد الدين العثماني الإسلامية.
بقدر ما مثلت القضية الفلسطينية تجارة مربحة للإسلاميين، فقد كانت في الوقت نفسه مأزقهم الكبير، ذلك أن قطاعات واسعة من الجماهير العربية والإسلامية اختبرت الشعارات الإسلاموية حول فلسطين، وأيقنت من خوائها، والأهم وقفت على ازدواجيتها، وعلى كون تلك الشعارات محض انتقاء فجّ ينتصر للإخوة، ويضع الإثم على الخصوم.