سياسة

البابا في العراق.. التطبيق العملي لوثيقة الأخوة الإنسانية


تشخص عيون العالم قاطبة نحو زيارة قداسة بابا الفاتيكان للعراق وإقليم كردستان العراق نظرا لما تتمتع به الزيارة من أهمية فائقة في ظل شيوع ثقافة الكراهية والتنابذ والعنف في منطقتنا وحول العالم ولكونها أول زيارة لبابا الفاتيكان إلى المنطقة، منذ زيارته الأخيرة للإمارات العربية المتحدة العام 2019، وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر أحمد الطيب برعاية ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

ورغم التكهنات والتوقعات التي راجت هنا وهناك، وحتى اللحظة الأخيرة قبيل موعد بدء الزيارة، باحتمالية تأجيلها وحتى إلغائها، على وقع تصاعد الاستهدافات الصاروخية الإرهابية، لعدد من القواعد الأميركية، والمناطق في العراق، من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، إلى العاصمة الاتحادية بغداد، الأمر الذي كان محاولة مكشوفة، لتعكير الأجواء في عموم البلاد، وللتشويش على زيارة البابا وعرقلتها.

ورغم تفشي وباء كورونا المستجد، وتطور طفرته التحورية مؤخرا، وتداعياته السلبية الكارثية على مختلف مناحي الحياة، والأوضاع الأمنية العامة القلقة وغير المستقرة في العراق، وتعدد محطات زيارة البابا العراقية، والتي تشمل أربع محافظات (بغداد والنجف وذي قار والموصل)، إضافة لإقليم كردستان العراق، مع ما يعنيه ذلك من تضاعف المخاطر الأمنية المحتملة، لكن البابا بقي مصرا على انجاز الزيارة، في موعدها المقرر دون تسويف.

الأمر الذي يثبت الأهمية الاستثنائية، التي يوليها الفاتيكان، لهذه الزيارة البابوية للعراق، كبلد يتمتع بعمق تاريخي وحضاري عريق، وبمكانة روحية خاصة لدى أتباع مختلف الديانات الإبراهيمية، سيما وأن إحدى أهم محطات جولة البابا في ربوع العراق، هي منطقة أور التاريخية الأثرية، التي هي مهد الديانة الإبراهيمية.

لا شك أن هذه الزيارة تمثل ما يمكن اعتباره، التجسيد العملي لوثيقة الأخوة الإنسانية حتى أن البابا أقتبس جملا كاملة من تلك الوثيقة، خلال كلمته الأولى بعيد وصوله لبغداد، خلال استقبال الرئيس العراقي برهم صالح له في القصر الرئاسي.

ولعل ترحيب شيخ الأزهر بهذه الزيارة البابوية التاريخية لبلاد الرافدين، واتفاق كافة المرجعيات الدينية والروحية في العراق والمنطقة عموما، على الاشادة بإصرار قداسة البابا على القيام بهذه الزيارة المحفوفة بالمخاطر الجدية، سيما وأن ثمة جبهة من المتضررين من هذه الزيارة في منطقتنا، هو خير شاهد على تماسك وتعاضد جبهة الاعتدال والوسطية الدينيين الواسعة، في وجه سماسرة التجارة الدينية، ممن دعاهم البابا فرنسيس خلال كلمته في قصر السلام الرئاسي ببغداد، إلى الكف عن ارتكاب الفظائع باسم الله، قائلا “كفى عنفا وتطرفا”.

هذه الزيارة والحال هذه، هي توطئة لبلورة قواسم مشتركة عريضة، وتكريس أرضية صلبة للتعاون والتكامل الواسعين، بين مختلف الديانات والمعتقدات حول العالم، دون اقصاء ودون تعصب، وبما يسهم في عزل وفضح أوكار التطرف والعنصرية والكراهية، التي تتاجر بالأديان، وتسخرها مطية لخدمة أجنداتها الشريرة، المنافية لقيم السلام والتسامح والتعايش.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى