تُشكل شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” المساحة الأهم لجماعات العنف والإرهاب بعد سقوط تنظيم “داعش” الإرهابي في مارس من العام 2019.
حيث بات وجود هذه التنظيمات على الأرض أضعف مما كان عليه، وهو ما دفعها للتحرك عبر الإنترنت سواء في تجنيد أتباعها أو من أجل الحصول على الأموال أو في نقل التكليفات التي تتعلق بالعمليات الإرهابية.
لا شك أن الاستراتيجيات الخاصة بمواجهة الجماعات الإرهابية آتت أكلها، وهو ما دفع التنظيمات الإرهابية عابرة الحدود والقارات إلى اللجوء إلى ساحة الإنترنت الواسعة لممارسة نشاطها، وهو ما تطلب معه مواجهة من نوع خاص باتت هي الأهم بين صور مواجهة الجماعات الإرهابية.
بات المجتمع الدولي عاجزًا عن مواجهة الجماعات الإرهابية على الشبكة العنكبوتية؛ فهذه الشبكة تحوي برامج وتطبيقات مشفرة يستخدمها هؤلاء الإرهابيون ويتواصلون من خلالها، وهذه البرامج قد يكون من الصعب اختراقها، فيما تمثل جسر التواصل بين هذه التنظيمات.
يستخدم تنظيم “داعش” الإرهابي في التواصل بين شبكاته وخلاياه، على سبيل المثال، برنامجا أنشأته البحرية الأمريكية، والبرنامج يحقق مزيدًا من السرية والأمان للمتعاملين، كما تستخدم هذه التنظيمات برنامجا آخر أطلقت عليه اسمها الخاص، هذا البرنامج يحقق السرية لمستخدميه، ويُضاف لهذه البرامج لجوء هؤلاء الإرهابيين إلى طرق مخفية في التواصل مثل المحادثات “المشفرة” عبر بعض الألعاب على الشبكة عبر الألعاب التي تتيح المحادثات.
التنظيمات الإرهابية باتت هي المستخدم الأول لعالم الديب ويب، أو ما يُطلق عليه الإنترنت المظلم، فتشارك هذه التنظيمات جماعات المافيا وتجار السلاح والمخدرات والهاكرز هذا الاستخدام “غير الشرعي”، بهدف التواصل بين مجموعاتها في كل أنحاء العالم، وهو ما يتطلب معه مواجهة من نوع آخر ولكن “افتراضية” على شبكة المعلومات الدولية.
لم تقتصر جماعات الإرهاب على استخدام الإنترنت فيما يتعلق بالتواصل فيما بينها، وإنما تعدى ذلك إلى استخدام العملات المشفرة “الرقمية”، فباتت تأتيها الأموال من كل مكان دون رقابة على هذه الأموال، عندما غاب الوسيط في إرسال عملة “البتكوين”، فلم يعرف الشخص أو الجهة التي تُرسل الأموال، حيث يتم استلامها بشكل سري وهو ما مكن هذه التنظيمات من الوصول إلى المال.
لا توجد رقابة، كما ينبغي، على شبكة المعلومات الدولية، أو يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية نجحت في استخدام بعض الثغرات التي أتاحت لها استخدام هذه الشبكة بشكل آمن، وهو ما نطلق عليه “الإنترنت” المظلم، والعالم مازال يقف عاجزًا أمام هذا الاستخدام، فيما تبدو مبادرات المواجهة متواضعة أمام الخطر الذي يتهدد هذا العالم.
بات العالم مطالبًا بالانتقال من ساحة المواجهة الحقيقية التي أثبت فيها نجاحًا كبيرًا على تنظيمات الإرهاب إلى مواجهة من نوع آخر، وهو المواجهة الافتراضية على الإنترنت، وهي تبدو المواجهة الأهم والأخطر والأصعب في نفس الوقت، وربما تكون المساحة الأخيرة في مواجهة هذه التنظيمات.
استخدمت جماعات الإرهاب بعض البرامج السرية التي تمتاز بخاصية التدمير الذاتي للرسائل خلال ثوان معدودة، حتى لا تقع في فخ المراقبة وتحسس المحادثات التي تتعلق بنشاطها الإرهابي، فهذا البرنامج مع غيره من البرامج المشفرة استفادت منها هذه الجماعات وربما سهلت عملياتها القذرة ضد البشرية.
وهو ما يتطلب من العالم مواجهة هذه البرامج والشركات العاملة عليها، على اعتبارها جسرًا تتواصل من خلاله التنظيمات الإرهابية، وهو ما يتطلب العمل إما على إيقاف هذه البرامج، أو وضع رقابة من نوع ما على المحادثات التي تضر بأمن النّاس والدول معًا.
كما أن العالم مطالب بإنتاج برامج تمكنه من إحباط الاستخدام السيء للإنترنت من قبل الجماعات الإرهابية؛ فالمعركة باتت تكنولوجية في الأساس وباتت مواجهة هذه التنظيمات على الإنترنت هي الأكثر تأثيرًا، وهذه دعوة للدول والأشخاص والهيئات إلى بذل جهود في هذه المساحة المهمة، فلا معنى لمواجهة هذه التنظيمات أمنيًا وعسكريًا دون مواجهتها على شبكة “الإنترنت”.
خاصة وأن جزءا من المواجهة الجديدة للجماعات الإرهابية، أنها مواجهة لخلايا بعضها يبدو نشطًا والبعض الآخر يبدو خاملًا، وهنا لا تبدو هذه الخلايا في كثير من الأوقات مرئية، وهو ما يتطلب مواجهة تبدو افتراضية أشبه بصيد الأسماك في البحار، يتم صيد هذه الخلايا على شبكة الإنترنت ووقف عملها دون رؤيتها!
أخيرًا وليس آخرًا، المواجهة الأهم للجماعات الإرهابية لابد أن تنطلق من شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”، ولابد أن تبذل الدول التكنولوجية فيها جهودًا كبيرة، سواء على مستوى الأبحاث والدراسات أو على المستوى التقني من خلال تصنيع هذه التكنولوجيا، فلا معنى لمواجهة هذه التنظيمات طالما أنها لم تصل إلى فكرة حصارها على شبكة الإنترنت.