سياسة

الإرهاب.. تسمية عائمة وحلول غائبة


مصطلح الإرهاب ليس جديداً، بل هو قديم قِدم التاريخ، فهو في التعريف البسيط “كل عمل يثير الرعب والخوف والهلع بين الناس”. في الواقع إن دلالة الكلمة “إرهاب” لا خلاف عليها بين الناس عموماً بمختلف ثقافاتهم ومعتقداتهم ودرجاتهم العلمية، حتى دخل مصطلح الإرهاب عالم السياسة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، فصار بذلك مصطلح “الإرهاب” يطلق لمنافع ومكاسب وتوجهات سياسية وعسكرية وبازدواجية ومزاجية، فأصبح هناك اختلاف في النظرة تجاه هذا المصطلح، فما كان يعد ثورة وكفاحا ونضالا ومقاومة في نظر فريق هو إرهاب بنظر الفريق المعادي له والعكس صحيح، حتى صار هذا المصطلح يطلق جزافاً، مما يدعو العالم أجمع إلى إيجاد تعريف واضح للإرهاب، وإن كان مطلباً ليس باليسير إلا أنه لا بد من العمل عليه بجدية.

استخدم مصطلح “الإرهاب” بشكل واسع بعد النصف الثاني من القرن العشرين، ولا سيما إبان سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، إثر هزيمته في أفغانستان وانسحابه منها عام 1989 وبدعم أمريكي للقوى المحاربة على الساحة الأفغانية ضد الروس بمختلف توجهاتها الوطنية والشعبية والدينية، ثم توجهت هذه القوى في شقها الراديكالي إلى محاربة النفوذ والوجود الأمريكي في أفغانستان، وعلى رأسها تنظيما “القاعدة” و “طالبان” المتطرفان، وأصبحت تنفذ عملياتها ضد ما تسميهم بأعدائها عسكريين كانوا أو مدنيين، كما أنها لم تفرق بين من يعارضها في الفكر إن كان من أبناء جلدتها أو من غيرهم، فقد عانت السعودية وكذلك مصر وسوريا وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول الإسلامية من الإرهاب الذي بدا مصطلحه يتنامى بعد إعلان الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، في أعقاب حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك التي تبناها تنظيم القاعدة.

ومن العوامل التي أدت إلى تعويم المصطلح “إرهاب” وجعله عصياً على الحل هي:

أولاً: عدم الموضوعية في إطلاق تهمة “الإرهاب”، فتم إطلاقها في كل اتجاه حتى صار كل فلسطيني يقاوم الاحتلال مثلاً إرهابياً، وكل معارض سياسي إرهابياً، وكل مناضل لتحرير بلده في نظر المعتدي إرهابياً!

في حين يتم غض الطرف أو التجاهل عن المتحكمين في السياسة الدولية مثل إسرائيل التي يحفل تاريخها بالإرهاب كمذبحة الحرم الإبراهيمي التي نفذها الطبيب الإسرائيلي “باروخ جولدشتاين” عام 1994، ومذابح صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، والتغاضي عن منظمات إرهابية صهيونية ذات فكر ديني يهودي راديكالي كمنظمة “الهاغانا”، والتي نفذت بالتعاون مع منظمة “شتيرن” الصهيونية مذبحة “دير ياسين” عام 1948.

 ثانياً: إلباس الإرهاب لباس العروبة والإسلام، على الرغم من أن هناك العديد من المنظمات الإرهابية غير الإسلامية ولا العربية كـ:”منظمة الوطن والحرية الإسبانية” المناهضة للحكم الإسباني، وأدت أنشطتها الدموية إلى سقوط أكثر من ألف قتيل، و”منظمة جيش الشعب الجديد في الفلبين”، والتي كانت نتيجة صراعه الدموي مع الحكومة الفلبينية 40000 قتيل، و”منظمة الدرب المضيء في البيرو” وكانت حصيلة عنفها 31 ألف قتيل، و”جيش الرب الأوغندي” الذي اتهم من قبل الأمم المتحدة بقتل 100 ألف شخص، و”رابطة الدفاع ألستر” وهي مجموعة راديكالية مسيحية في أيرلندا الشمالية تهدف لحماية المسيحيين البروتستانت من المسيحيين الكاثوليكيين.

كل هذه التنظيمات والجماعات هي جماعات متطرفة إرهابية، وهو ما يؤكد أن “الإرهاب” ليس صناعة دين معين أو عرق معين أو جنسية محددة، بل إن الإرهاب لا دين له ولا فكر يؤطره سوى القتل والتدمير.

ثالثاً: دور الإعلام عموماً والعربي منه على وجه الخصوص المطالَب اليوم وأكثر من أي وقت مضى بتطوير سياسة تحريره وتطوير خطابه لتعرية مصطلح “الإرهاب”، وتوسيع قاعدة جمهوره، والتوجه إلى الآخر بفتح منصات إعلامية بلغات متعددة لتوضيح الصورة للآخر عن العروبة والإسلام، وأن الإرهاب ليس عربياً ولا إسلامياً، وإنما هو فكر متطرف منحرف عن كل ما يتصل بالدين والحضارة والعرق والانتماء، فبعد العملية الإرهابية التي نفذها الإرهابي الأسترالي في “نيوزيلاندا” منذ أيام قليلة والذي قتل بدم بارد وبمتعة وطريقة ألعاب الفيديو وشعارات دموية عنصرية خمسين مسلماً في أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجدين بنيوزيلندا، لاحظ العالم السياسة الدولية المنحازة، ففي أعقاب هذه المجزرة المروعة في نيوزيلندا وما جاء بعدها من عمل إرهابي في “هولندا” انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فكرة أن “المجرم مريض نفسي حتى تثبت عروبته أو إسلامه عندها يصبح إرهابياً”، في انتقاد لهذه السياسة بشكل صريح، وهذا ما يكشفه الزخم الإعلامي وشدة التنديد والاستنكار الذي جاء في أعقاب الهجوم على صحيفة “شارل إيبدو” عام 2015، وبرودة هذا الزخم في التعاطي مع قتل المصلين في نيوزيلندا.

آن الأوان لتعرية “الإرهاب” من الأقنعة التي يرتديها، وتعريفه بتعريف صريح يفرق بين الدفاع عن النفس والحفاظ على الأوطان، وبين القتل بدافع التخريب والتدمير وسلب الشعوب مقدراتها، والتمييز العنصري أو العرقي أو الأيديولوجي، سواء كان دينياً أم غير ديني، فلو طلبنا اليوم من مجموعة أطفال من مختلف الدول والمجتمعات رسم صورة لإرهابي لرسموا رجلاً عربياً بسمات إسلامية، وما هذا إلا نتيجة السياسة الإعلامية المروجة لما يريده المتنفذون على ساحة السياسة العالمية.

أما حقيقة الأمر فإن الإرهابي لا دين له ولا ثقافة ولا حضارة سوى القتل والدماء والتدمير، مهما ادعى من دوافع، ومهما ارتدى من أقنعة.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى