سياسة

“الإخوان”.. بين التقييد التركي والبحث عن ملاذات آمنة جديدة


تلقت جماعة الإخوان المسلمين صفعة جديدة قوية خلال الأيام الماضية مع التحول الذي شهدته سياسة تركيا الإقليمية.

وسعي أنقرة إلى تحسين علاقاتها مع دول المنطقة بشكل عام، ومصر بشكل خاص، والذي كان يقتضي كبداية وضع قيود على تحركات قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها الفارين إلى تركيا، الذين شكّلوا عنصر تأزيم وتوتر أساسياً في علاقات أنقرة مع دول الجوار العربية من اضطرابات “الربيع العربي” المشؤوم.

وقد أقدمت تركيا بالفعل على اتخاذ عدة خطوات مهمة في هذا الشأن كنوع من إظهار حسن النية وتأكيد الرغبة في بدء مرحلة جديدة من التعاون مع مصر والدول العربية، من بينها إلزام القنوات التلفزيونية التابعة لـ”الإخوان”، التي تبث من الأراضي التركية وتنفث سمومها يومياً لإثارة الفتنة والتوترات داخل مصر وفي المنطقة، بوقف انتقاداتها وتجنب الشأن السياسي المصري والتهجُّم على الدولة المصرية وقياداتها ورموزها، والتخلي عن أسلوب التحريض والإساءة لمصر ودول الخليج. كما تحدثت وسائل إعلامية عن قيام السلطات التركية بوضع عدد من قيادات جماعة “الإخوان” تحت الإقامة الجبرية.

أهمية هذه الخطوة التي أكدتها قيادات وعناصر إخوانية عدة وقيادات قنوات التحريض الإخوانية في أنقرة، تكمن، في تقديري، في اعتبارين مهمين: الأول، هو أهمية تركيا نفسها بالنسبة لجماعة الإخوان، التي تتخذها عناصر الجماعة وقياداتها الهاربون من مصر والمنطقة كملاذ آمن ونقطة انطلاق لبث خطابهم المليء بالكراهية والحقد والتحريض على الفتنة وإثارة التوترات. فهذا التحول في الموقف التركي يعني، إذا ثبت بالفعل وتأكد في المستقبل، أن الإخوان قد فقدوا أحد أهم ملاذاتهم الآمنة في المنطقة، وهو ما سيشكل خطوة مهمة بلا شك في جهود تصفية هذه الجماعة وخطرها.

الاعتبار الثاني يتعلق بالإدراك التركي المتأخر، ربما، لحقيقة أن هذه الجماعة الإرهابية أضرت بتركيا مثلما وربما أكثر مما أضرت بباقي دولة المنطقة، فإيواء عناصر هذه الجماعة وتقديم الدعم لها، كلّف أنقرة خسارة علاقاتها مع دول جوارها العربي بشكل أضر بالاقتصاد التركي وبسمعة تركيا في المنطقة. في المقابل لم تجنِ تركيا أي مكاسب من دعمها لهذه الجماعة أو من توظيفها سياسياً لخدمة أجندتها الإقليمية، فالنتيجة الواضحة حالياً لأنقرة هي أن تركيا لم يعد لديها أصدقاء في المنطقة سوى هذه الجماعة الإرهابية، التي نبذتها جميع الشعوب، وأصبح استمرار الرهان عليها نوعاً من العبث السياسي.

ومع ذلك، ينبغي أخذ هذا التطور بقدر من الحذر والتريث حتى تتضح ملامح المشهد كاملة ويتأكد صدق الرغبة التركية في فتح صفحة جديدة من التعاون مع دول المنطقة، والسبب في ذلك هو أن النظام التركي معروف بتناقض سياساته وسرعة تحولها من النقيض للنقيض، بحسب تغير الظروف القائمة، فتركيا اليوم تواجه ضغوطاً من جميع الجهات؛ فهناك إدارة أمريكية جديدة تتبنى سياسات متشددة تجاه أنقرة، وهناك علاقات تركية متوترة مع أوروبا، وفي الوقت نفسه تشهد علاقاتها مع الدول العربية تدهوراً كبيراً بسبب سياساتها التدخلية السلبية في الإقليم، ويعاني اقتصادها من التراجع، وكل هذه العوامل تدفع أنقرة باتجاه مراجعة حساباتها، والعودة لسياسة التعاون والانفتاح الإيجابي السابقة التي تبنتها قبل اضطرابات عام 2011. ولكن من غير المعروف بعد إذا كان ذلك سيكون تغييراً تكتيكياً مرحلياً أم تغييراً استراتيجياً حقيقياً.

بيد أن الأمر المهم في التطور الراهن هو حالة الذعر التي أصابت قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها ليس فقط في تركيا ولكن حول العالم، ولا سيما مع المخاوف التي عبّر عنها بعضهم بشأن إمكانية قيام أنقرة بتسليم عناصر الإخوان المتورطين في أعمال عنف للقاهرة. وسر حالة الذعر هذه هو أن فقدان الجماعة ملاذها الأهم في تركيا، سيجعل عناصرها وقياداتها مشردين ومضطرين للبحث عن ملاذات آمنة جديدة لهم تؤويهم بدل الأوطان التي باعوها وحاربوها، وهي مهمة ليست سهلة حالياً بعدما اتضح للعالم كله، شرقاً وغرباً، خطر هذه الجماعة الإرهابية على الدول التي تؤويها قبل غيرها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى