سياسة

ازدواجية المواقف التركية حول القضية الفلسطينية


السمسرة والمتاجرة، هو عنوان المواقف التركية تجاه القضية الفلسطينية، ففي كل مرة يخرج الرئيس التركي رجب طيب بتصريحات نارية وشعارات رنانة، على خلفية العدوان على غزة ومناطق الضفة الغربية، والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن علاقاته بإسرائيل لا تتأثر، ولا يتغير حجم التبادل التجاري بين البلدين، ما يؤكد زيف ادعاءات نظام حزب العدالة والتنمية واستخدام فلسطين لإنقاذ شعبية الحزب المنهارة.

وبغضّ النظر عن الخلافات والتوتّرات السياسية بين الطرفين، تستمر التجارة بين تركيا وإسرائيل، فبحسب معهد الإحصاء التركي؛ يبلغ حجم التجارة بين البلدين اليوم 6.5 مليار دولار، بينما كان 1.4 مليار دولار خلال الوقت الذي وصل فيه حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السلطة، وفق ما نقلت وكالة أنباء ميزوبوتاميا.

وفي عام 2020، احتلت إسرائيل المرتبة الـ3 بين مستوردي السلع والخدمات التركية، وبلغت قيمة الواردات 4.7 مليار دولار في ذلك العام، وتُعدّ هذه قفزة عن عام 2019 عندما احتلت إسرائيل المرتبة الـ9 في قائمة مستهلكي الصادرات التركية، بحسب تقرير الوكالة

وكان وزير التجارة السابق روهصار بيكجان، قد أشار في خطابه في اجتماع تقييم التجارة الخارجية لعام 2020، إلى أنه في عام 2020 كانت هناك 44 دولة حطمت معها تركيا رقماً قياسياً في الصادرات، الولايات المتحدة وإسرائيل وكوريا الجنوبية على رأسها.

وزادت صادرات المواد الغذائية التركية إلى إسرائيل عن العام الماضي، وفي الأشهر الـ9 الأولى من عام 2020 زادت مبيعات الفاكهة المجففة بنسبة 64%، والمأكولات البحرية بأكثر من 36%، والحبوب والبقوليات بنحو 18%، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، وزادت صادرات الفاكهة والخضروات بأكثر من 25%، وفق ما أورده موقع أحوال تركية.

على الرغم من ردود الفعل اللاذعة من قبل أردوغان على الأحداث في إسرائيل، نمت التجارة بشكل مطرد، على سبيل المثال، في عام 2017، عندما نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، أعلن أردوغان أنّ القدس خط أحمر، واستضاف الرئيس التركي منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول في مايو 2018، وقال: العمل من أجل الفلسطينيين الذين قتلوا على أيدي قطاع الطرق الإسرائيليين اليوم يعني أن نظهر للعالم أجمع أنّ الإنسانية لم تمت بعد، إلا أنه خلال ذلك العام، اقترب حجم التجارة الخارجية بين تركيا وإسرائيل من الرقم القياسي الثاني عند 5.6 مليار دولار.

وبالعودة إلى العلاقات التجارية بين البلدين، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أنّ العلاقات الدبلوماسية المتوترة بين إسرائيل وتركيا لم تؤثر على حجم التبادل التجاري بين البلدين، بعد الارتفاع في العام الماضي، فقد بلغ أكثر من 6 مليارات دولار، مشيرة إلى أن التجارة التركية الإسرائيلية تزداد مع وصول العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى منخفض جداً؛ إذ ارتفعت صادرات الأطعمة والمشروبات التركية إلى إسرائيل حتى الآن في عام 2020، على الرغم من الوباء.

ورغم استمرار أردوغان باستخدام خطابه العاطفي الشعبوي بخصوص فلسطين والإسلام، غير أنّ هذا لا يمنع من وجود علاقات اقتصادية قوية مع دولة الاحتلال، ويشير موقع ترك برس إلى هذه العلاقة من خلال تقرير يشمل تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز.

وبحسب التقرير المنشور بتاريخ 27 فبراير 2016 يقول الوزير: لم تتأثر العلاقات التجارية بين البلدين رغم بعض الخلافات الدبلوماسية في 2008 و2013، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين عام 2009 مليارين و597 مليوناً و163 ألف دولار، وعلى الرغم من التدهور الدبلوماسي للعلاقات المتبادلة بين الطرفين، إلا أنّ حجم التبادل التجاري لعام 2014 بلغ 5 مليارات و832 مليوناً و180 ألف دولار.

وكان الوزير قد قال في التقرير ذاته: إنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرّح بأنه في ظل تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة، بشكل حاد لا نظير له، فإنّ تركيا بحاجة ماسّة إلى التوافق مع إسرائيل، لمناقشة المسارات التي يمكن من خلالها إحداث تغييرات إيجابية في المنطقة.

وطرحت صحيفة حفريات سؤالاً ملحّاً يواجهه أردوغان دائماً حول ماذا قدّمت تركيا لفلسطين وشعبها على مدار كل هذه الأعوام الحافلة بالشعارات والتنديدات والصوت العالي؟، مشيرة إلى أن إجابات أردوغان تكون دائماً دبلوماسية، مليئة بالشعارات، بعيدة تماماً عن الحقيقة التي لن يستطيع قولها، لكن الواقع يفصح عن الكثير، وتكشف تناقضات أنقرة دائماً أنّ كل هذا الضجيج هدفه المتاجرة بآلام الفلسطينيين وكسب شعبية زائفة لأردوغان، لا سيّما على الصعيدين العربي والإسلامي.

 وسردت الصحيفة المراحل التي مرّت بها علاقة تركيا مع إسرائيل، التي بدأت رسميا في مارس عام 1949، وأصبحت بذلك تركيا أوّل دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل وطناً قومياً لليهود على حساب الفلسطينيين، ولم تتأثر هذه العلاقة أبداً مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في البلاد عام 2002، بل بالعكس أخذت بالازدياد، حيث عمل الحزب بحكومته على تعزيز كافة الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل، وتوسيع مجالاتها لتشمل قطاعات أخرى، ونجح أردوغان وحكومته في نقل التعاون بين البلدين إلى مرحلة استراتيجية غير مسبوقة.

 ولعلّ أبرز أوجه التعاون بين تركيا وإسرائيل كانت في المجال العسكري؛ ففي يناير عام 1994، اصطحب الرئيس الإسرائيلي حينها عزرا وايزمان، خلال زيارته المعلنة إلى العاصمة التركية أنقرة، أكثر من 20 مسؤولاً بارزاً، العديد منهم يعملون في الصناعات العسكرية، وتُعدّ تركيا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، وقد زاد التعاون العسكري مع تل أبيب منذ الاحتلال التركي لشمال جزيرة قبرص العام 1978، والذي أدى إلى عقوبات أمريكية أوروبية على قطاعها العسكري، واعتمدت أنقرة آنذاك على الجانب الإسرائيلي في تحديث الجيش.

 أمّا القفزة الكبيرة في المجال العسكري، فقد كانت عام 1996 في عهد حكومة نجم الدين أربكان الذي يُعدّ الأب الروحي والفعلي للتجربة الإسلامية السياسية، عندما أبرمت تل أبيب وأنقرة اتفاقيتين عسكريتين، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، لتكون أوّل اتفاق بين الدولة العبرية ودولة ذات أغلبية إسلامية.

 وبعد 26 عاماً من التعاون العسكري المعلن وغير المعلن بين الدولتين، تحاول تركيا أن تظهر نفسها عبر آلة الدعاية الإعلامية أنّها دولة تتخذ موقفاً ضد إسرائيل وتدعم القضية الفلسطينية، بينما تثبت الحقائق أنّ إدارة أردوغان تمارس لعبة مزدوجة تهدف إلى كسب التأييد الشعبي عبر مواقف دعائية، دون أن يؤثر ذلك على العلاقات الحقيقية المستمرة مع إسرائيل، خاصة على المستوى العسكري.

وتُعتبر إسرائيل أكبر سوق تجارية مفتوحة لبيع المنتجات التركية، وفق ما صرّح به مسؤولون أتراك.

وتسيّر الخطوط الجوية التركية يومياً ما يزيد عن 10 رحلات بين أنقرة وتل أبيب، بالإضافة إلى رحلات الشحن.

 وتشير تقارير الملاحة الجوية إلى أنّ شركة الخطوط التركية هي ثاني ناقل جوي في إسرائيل بعد شركة إل عال الإسرائيلية، وحتى عندما توترت العلاقات ظاهرياً بين البلدين لم تنقطع هذه الصلة الوثيقة.

 ويقتصر الدعم التركي للقضية الفلسطينية على ضخ أموال ضخمة لدى الأبواق الإعلامية لإدارة حملات دعائية منظمة تضع تركيا في قلب الداعمين للقضية الفلسطينية، وقد فضح تقرير منظمة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة زيف هذه الادعاءات، وأكد أنّ تركيا لم تكن ضمن الدول التي قدّمت مساعدات للفلسطينيين على مدار أعوام مضت، بينما تصدّرت كل من السعودية والإمارات قائمة الداعمين.

 ولم تقتصر هذه العلاقة بين أنقرة وتل أبيب على المجالات السابقة، بل شملت أيضاً النواحي الصحية، خاصة مع انتشار جائحة كورونا، ففي أبريل 2020، كشفت وكالة بلومبرغ الأمريكية عن شحنة مساعدات طبية من أنقرة إلى إسرائيل.

 ونقلت الوكالة عن مسؤول تركي، لم تسمّه، أنّ الحكومة صدّقت على شحنة معدات طبية تشمل أقنعة الوجه، وبدلات واقية، وقفازات معقمة لإسرائيل، وأضاف أنّه من المتوقع أن تحط 3 طائرات من إسرائيل بقاعدة إنجرليك الجوية لتسلم الشحنة!

 يذكر أنّ العلاقات التركية الإسرائيلية تطوّرت بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدّة الحكم في البلاد عام 2002، إلا أنّها توترت بعد حرب غزة عام 2008، حيث تبادل الطرفان التصريحات الحادة.  

 وازدادت هذه العلاقات توتراً في أعقاب اعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة مافي مرمرة في مايو 2010، وقتل 10 نشطاء أتراك خلال هجوم الكوماندوز الإسرائيلي للسيطرة عليها، إلا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو اعتذر لاحقاً عن ذلك، في مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متعهداً بدفع تعويضات لأسر ضحايا السفينة التركية.

تابعونا على

Related Articles

Back to top button