إمارات الخير “سوريا لن تبقى وحدها”
كانت وما زالت الإمارات العربية المتحدة ذات سياسة مرنة ودبلوماسية فاعلة مبنية على محور رئيس من الثوابت التي تحكم مسارها ودوران عجلتها، وهو محور العروبة والإنسانية المحور الذي لم تساوم عليه السياسة الإماراتية عبر تاريخها كونها راسخة منذ تأسيسها وإرساء دستورها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشواهد على ذلك كثيرة في تغليب الإمارات لقضية الوجود العربي والإنساني على كل خلاف أو تعارض سياسي ومن ذلك على المستويين العربي والإنساني إذ نرصد حدثين؛ الأول تاريخي يشير إلى تأسيس هذه السياسة وإرساء دعائمها، والثاني معاصر يدل على التمسك بهذا النهج:
على المستوى التاريخي: على الرغم من اختلاف وجهات النظر على المستوى السياسي بين دول الخليج العربي عموماً ومنها الإمارات العربية المتحدة والدول العربية ذات الطابع الاشتراكي التي تميل للمعسكر الشرقي كما سوريا، فإن السياسة العربية بقيت محافظة على مسافة تقيها من الاصطدام بفضل المرونة السياسية مع المحافظة على مسافة من التحفظات ولكن كل هذه التحفظات والاختلافات والتباينات في وجهات النظر ضربت بها الإمارات العربية عرض الحائط عندما صارت قضية الوجود العربي والدم العربي على المحك والذي تجسد بموقف الإمارات العربية المتحدة بقيادة “زايد الخير” في حرب تشرين التحريرية والذي عبر عنه المغفور له “الشيخ زايد” بمقولته المشهورة التي صارت أيقونة العروبة والقومية العربية: “البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي” وما تلاها من تصديق الأقوال بالأفعال من خلال شن “حرب البترول” التي كانت عاملاً رئيساً في ترجيح كفة العرب على العدو الصهيوني وما أضفته من ثقل بتوحد الصف العربي وإجماعه على الحق العربي وما جسدته تلك المواقف من مفاهيم ومبادئ السياسة الإماراتية التي أرساها “الشيخ زايد” من خلال تأكيده في كل المحافل العربية والدولية آنذاك بأن المعركة هي معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة.
على المستوى المعاصر: لم تكن العلاقات الإماراتية السورية في أحسن أحوالها منذ نحو 8 سنوات بسبب تباين الرؤى السياسية جراء ما حدث في الداخل السوري ولعلّ التوغل الإيراني ونهم طهران لمصادرة القرار السوري هو أكثر الأمور إيلاما ليس للإمارات فحسب، بل لجميع الدول العربية، فلا يمكن لأي عاقل تحمل ما يردده الإيرانيون على مسامع الشعوب العربية بأنّ طهران باتت تسيطر على 4 عواصم عربية منها دمشق وهذا ما وسع شرخ العلاقة حتى مع إيران نتيجة سياستها العبثية في المنطقة العربية والأمر لم يقتصر على إيران فحسب بل وتركيا أيضا نالت نصيبا كبيرا من المعارضة الإماراتية لسلوكياتها في الشمال السوري وهذا ما شددت وأكدت عليه الإمارات أكثر من مرة (راجع تصريحات وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان).
الإمارات حرصت منذ بداية ما يسمى “الربيع العربي” على ضرورة البحث عن حلول سلمية تقي السوريين مزيدا من الدماء، منطلقة من وجهة نظر بأنّه ليس من مصلحة الدول العربية جميعا وقوع سوريا فريسة للمتطرفين وكذلك المليشيات في آن واحد ولكن هذا ما لم يكن بسبب اشتداد الصراع في سوريا وعليها.
ورغم التباين الذي انتاب دمشق وأبو ظبي فإنّ الإمارات بقيت متمسكة بثوابت الهوية العربية لسوريا ووحدة أراضيها متجاوزة كل خلاف سياسي، وها هي اليوم وبعد جائحة كورونا التي لم تستثنِ إقليما أو دولة، بل ولم تستثنِ فرداً على مستوى العالم، نجد الإمارات في مكانها الطبيعي حيث يجب أن تكون بمد يد العون للسوريين تلبية للمحور الرئيسي الذي لا تحيد عنه القائم على صيانة الوجود العربي والهوية العربية والدم العربي الذي تتكسر على صخرته كل موجات السياسة وعواصفها والتي تجسدت بعبارة ستخلد كثيرا في ذاكرة الكثير من السوريين لـ سمو الشيخ محمّد بن زايد أل نهيان ولي عهد أبوظبي خلال اتصاله بالرئيس السوري بشار الأسد بالقول إنّ الإمارات مستمرة بدعم ومساعدة الشعب السوري وسوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.
لا شكّ أن السوريين بحاجة هذا الدعم من أشقائهم الإماراتيين خاصة في ظل ظروف اليوم وبعد هذه الحرب الطويلة فسوريا الشعب تعاني من ظروف اقتصادية وسياسية وعسكرية بالغة السوء ليأتي وباء كورونا ليزيد المحنة محن ويعقد المعقّد أكثر فأكثر.
نعم قد تمر العلاقات العربية العربية بحالة من الفتور وتتحسن وفقاً للسياسات التي تحكم كل بلد من البلدان إلا أن هذه الخلافات لم تكن يوماً عائقاً لمد اليد عندما يقع الأخ العربي ليُترك وحيداً ولعل الإمارات العربية المتحدة خير مثال على تجسيد هذه الأخوة والتمسك بالهوية والوجود العربي كما أنها خير تجسيد لقول الشاعر السوري “عمر أبو ريشة”:
لمت الآلام منا شملنا ونمت ما بيننا من نسب
نقلا عن العين الإخبارية