سياسة

إخفاقات الدونكيشوت العثماني


بإلقاء نظرة سريعة على تصرفاته، يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ظاهرياً” الرجل الأقوى على الساحة الإقليمية، ممسكاً بزمام الأمور ومتشبثاً بمراكز القرار في دول عديدة طالتها يداه ومرتزقته. وقد يخال المرء، للوهلة الأولى، أنّ مشروعه في تعبيد الطريق نحو “العثمانية الجديدة” يجري على قدم وساق دون أدنى عقبات تعكّر صفو أحلامه الوردية.

لكنّه، بشخصيته النرجسية المعهودة، دوماً يظهر نفسه للعالم أجمع، وليس للشعب التركي فحسب، أنه السلطان والفاتح الجديد للدولة العثمانية، وأنّه منقذ تركيا من الهلاك. أمّا واقع الأمر، فمختلف تماماً عن الروايات التي يسردها رجل تركيا النرجسي؛ إذ إنّ الإخفاقات تلاحقه في أغلب الدول التي دخلها عبر تنظيمات مرتزقة، أغلبها من فصائل سورية مختلفة تحمل واجهات دينية.

على الصعيد الداخلي، يوماً تلو الآخر، يزداد الحال الاقتصادي والسياسي سوءاً، وسط تعالي الأصوات المعارضة لسياسات أردوغان

اقتصادياً؛ يستمر تهاوي الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، في ظلّ فقدان خطة لانتعاش اقتصادي أو خريطة طريق قد تعيد البلاد إلى ما كانت عليه في وقت سابق، وسط تفرّد أردوغان وصهره بإدارة الاقتصاد التركي وتحكمهما بها لمصالحهما الشخصية، إضافة إلى قضايا الفساد التي تلاحق حكومته؛ فبحسب جريدة “جمهوريت” التركية فقدت الليرة 12 قرشاً من قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الجاري، مشيرة إلى أنّ الليرة ستواصل فقد قيمتها بشكل كبير في ظلّ السياسات الاقتصادية غير المجدية التي تتبعها الحكومة، فضلاً عن تفاقم معدلات التضخم والبطالة في الأعوام الأخيرة، وبلوغ عدد الفقراء الأتراك نحو 20 مليون فقير، بحسب خبراء اقتصاديين.

سياسياً؛ تُعتبر الأعوام الأخيرة الأسوأ على الحزب الحاكم بقيادة أردوغان؛ حيث رافقت الإخفاقات التي مُني بها موجة انشقاقات داخل الحزب، وبحسب إعلان المحكمة العليا في تركيا، فقد خسر الحزب نحو 788 ألف عضو خلال العامين؛ الجاري والماضي، وسط انتقادات وُجّهت لزعيم الحزب بقمع الأصوات المخالفة لسياساته وضرب النقابات، بالإضافة إلى تقييده وسائل التواصل الاجتماعي، وحظره لنحو 400 ألف موقع في تركيا، ناهيك عن انهيار شعبيته؛ حيث كشف استطلاع رأي لشركة “أوبتيمار” لأبحاث الرأي في تركيا أنّ الانتخابات التركية القادمة ستشهد سقوطاً مريعاً للرئيس الحالي.

أمّا على الصعيد الإقليمي، فقد انتهج أردوغان منذ اعتلاء حزبه السلطة في عام 2002، سياسة “صفر مشكلات” مع الدول المجاورة، والتي هندسها السياسي التركي أحمد داود أوغلو، وبذلك نجح في إقامة علاقات وطيدة مع الدول المجاورة وعدد من الدول العربية ذات الثقل السياسي في المنطقة، لكن مع إشعال فتيل ما يُسمّى “الربيع العربي” تخلّى عن تلك السياسة التي رسمها داود أوغلو فتبدّلت الأوضاع، وبدأت نوايا رجل تركيا التوسعية بالظهور للعلن.

وقد دعم أردوغان صعود “الإخوان المسلمين” في مصر، وتدخل بشكل غير قانوني في سوريا والعراق وليبيا وصولاً إلى اليمن ودعمه لحزب الإصلاح اليمني الذي يُعدّ امتداداً لجماعة “الإخوان”.

لكن شيئاً فشيئاً بدأت الأمور تنقلب على حاكم تركيا، حيث سقط حكم الإخوان في مصر، وخرج كلٌّ من حزب النهضة –الحليف لأردوغان – في تونس والإصلاح “الإخواني” في اليمن من التفرّد بالحكم، كما لم يحقق المكاسب والأهداف المرجوّة في كل من سوريا وليبيا، وكلّ هذه الأمور تندرج ضمن لائحة خساراته الطويلة.

دولياً؛ وعلى وقع ما أسلفت ذكره، تستمرّ مكانة أردوغان الدولية في التراجع، وسط شبه فقدانه للأصدقاء.

باعتقادي، أحلامه في الولوج إلى الميدان الأوروبي غدت أشبه بالمستحيلة، ففي حين كان يطمع في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والحصول على امتيازات وميّزات قد تدفع سلطته والبلاد بأجمعها للنهوض، قالت المفوضية الأوروبية في تقريرها السنوي العام الماضي: إنّ “آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتلاشى”. إلى جانب ذلك تتعالى أصوات الدول التي تشكّل محور الاتحاد، ومن بينها (ألمانيا)، برفض انضمام تركيا، والإبقاء عليها كشريك “مميز” للاتحاد فقط.

عموماً، الانتصارات التي يتوهّمها رجل تركيا بعيدة كلّ البعد عن الواقع الذي يؤكد تتالي الخسارات المؤلمة له، وإذا لم أبالغ، فستكون هذه الولاية هي الأخيرة لحكمه، وإن أجرى الانتخابات الرئاسية في وقت مبكر. فالمعارضة التركية بدأت بالحراك مبكراً استعداداً لذلك، معتبرة الانتخابات المقبلة فرصتها الذهبية للحدّ من سيطرة “العدالة والتنمية” على الحكم.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى