«أسطورة الطب» ومبتكر «الدومينو».. السير مجدي يعقوب
من قلب مصر خرج الدكتور مجدي يعقوب يتحسس خطاه في عالم الطب، ومع اجتهاده وإيمانه برسالته بات أسطورة في جراحة القلوب وهدية العرب للإنسانية.
واليوم يقف السير مجدي يعقوب على مسرح صرح زايد المؤسس بالعاصمة الإماراتية أبوظبي ليتسلم جائزة زايد للأخوة الإنسانية لعام 2024، تقديرا لتجربته الملهمة واحتراما للأثر الطيب الذي تركه خلال مسيرة إنسانية حافلة بالعطاء والحب والرحمة قبل أن تكون مليئة بالإنجازات والابتكار في عالم الطب.
ويتوج جراح القلب المصري، الذي حاز لقب “أسطورة الطب في العالم” بجائزة زايد الأخوة الإنسانية الاثنين 5 فبراير/شباط 2024 خلال احتفال مهيب.
السيرة الذاتية للسير مجدي يعقوب
ولد مجدي يعقوب حبيب يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1935 في محافظة الشرقية، وهو ابن عائلة تنحدر أصولها الكاثوليكية من محافظة أسيوط، وولاؤها لمهنة الطب، فهو ليس أول طبيب في الأسرة.
ورث مجدي عن والده حبيب يعقوب عشق مهنة الطب، فهو ابن جراح وزارة الصحة الذي أطلقت اسمه على شارع بمنطقة العجوزة في قلب القاهرة، بعدما عمل لسنوات طويلة في مستشفيات أسوان وقنا ومعظم محافظات الجمهورية.
لم يختر الشاب المجتهد تخصص جراحة القلب والصدر من فراغ، إذ مر بتجربة فقدان أليمة عندما خسرت الأسرة عمته الصغرى أوجيني بعمر 21 عاما بعد إصابتها بضيق في صمام القلب، لتخلق داخله إصرارا على إنقاذ مرضى القلب ومنحهم فرصة أخرى للحياة.
تخرج يعقوب الابن في طب قصر العيني عام 1957 وكان ترتيبه الخامس على الدفعة، وعمل نائبا للجراحة بقصر العيني، ثم سافر الى إنجلترا عام 1962 لاستكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه والتخصص فى جراحات القلب والصدر.
هناك، حصل الدكتور مجدي يعقوب على الزمالة الملكية من 3 جامعات ( كلية الجراحين البريطانيين بلندن – زمالة كلية الجراحين بأدنبرا- زمالة كلية الجراحين الملكية بجلاسكو)، وتدرج في العديد من المناصب الأكاديمية.
في عام 1969، بدأ الطبيب المصري حياته العلمية باحثًا في جامعة شيكاغو الأمريكية، ثم رئيسًا لقسم جراحة القلب عام 1972، فأستاذًا لجراحة القلب بمستشفى برومتون فى لندن عام 1986.
صعد ابن مركز بلبيس بمحافظة الشرقية المصرية “سلم” العالمية في ثمانينيات القرن الماضي، سواء بتدرجه السريع في المناصب المهمة داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أو بإنجازات طبية ملهمة في عالم جراحة القلب.
ومن بين المناصب المهمة التي تولاها في تلك الفترة رئاسة مؤسسة زراعة القلب ببريطانيا عام 1987، ثم أصبح أستاذًا لجراحة القلب والصدر بجامعة لندن.
شغل يعقوب أيضا منصب مدير البحوث والتعليم الطبي والمستشار الفخري لكلية الملك إدوارد الطبية، إضافة إلى رئاسة مؤسسة زراعة القلب والرئتين البريطانية، كما شغل منصب مدير البحوث والتعليم الطبي ومستشار فخري لكلية الملك ادوارد الطبية في لاهور بباكستان.
لكن إنجازاته في عالم الجراحة بدأت في عام 1980 عندما تمكن الجراح العالمي من إجراء ثاني عملية جراحية لزراعة القلب بنقل قلب للمريض دريك موريس، ليصبح فيما بعد “أطول مريض نقل قلب أوروبي على قيد الحياة” واستمر حتى يوليو/تموز 2005.
مجدي يعقوب مبتكر الدومينو
مكانة علمية متميزة يحظى بها الجراح المصري والعالمي في مجال جراحة القلب والأوعية الدموية، إذ يعد واحداً من رواد جراحة زراعة القلب بالعالم، تحديدا من بين أشهر 6 جراحين للقلب في العالم.
لكن إنجازاته لم تتوقف على زراعة القلب، إذ نجح السير مع فريق طبي بريطاني بتطوير صمام للقلب باستخدام الخلايا الجذعية، عن طريق استخراج الخلايا الجذعية من العظام وزرعها وتطويرها إلى أنسجة تحولت إلى صمامات للقلب.
أيضا قدم يعقوب، خلال عمله في المستشفيات البريطانية، العديد من الأساليب الجراحية الجديدة لعلاج أمراض القلب وخاصة الأمراض الوراثية، وعكف منذ عام 1980 على إجراء جراحة “زراعة القلب” على نفقته ونفقة المتبرعين، إذ لم يكن هذا النوع من الجراحات منتشراً في ذلك الوقت.
ونجح الجراح الشهير نجاحاً باهراً في مجال زراعة القلب والرئة، ثم زراعة الاثنين في الوقت نفسه عام 1986، وأصدر العديد من الأبحاث العالمية المتميزة والتي فاقت 400 بحث متخصص في جراحات القلب والصدر.
ليس هذا فحسب، يعد السير مجدي يعقوب أول من ابتكر جراحة “الدومينو”، التي تتضمن زراعة قلب ورئتين في جسد مريض يعاني من فشل الرئة، وفي الوقت نفسه يؤخذ القلب السليم من المريض نفسه ليزرع في مريض آخر.
وخلال مسيرة ناجحة، أجرى الطبيب المجتهد ما يقرب من 25 ألف عملية في المستشفيات البريطانية منذ عام 1962، منها 2500 عملية زراعة قلب.
كما أشرف على أكثر من 18 رسالة دكتوراه في جراحة القلب، ونشر أكثر من 1000 مقال علمي، وله نشاط واضح في تطوير برامج جراحة القلب والأوعية الدموية في كل من منطقة الخليج العربي وفلسطين وموزمبيق وإثيوبيا وجامايكا والكونغو.
وعلى الرغم من اعتزاله العمليات الجراحية حين أصبح عمره 65 عاما إلا أنه استمر كاستشاري لعمليات نقل الأعضاء، واستمر عمله في مجال البحوث الطبية وكتابة التقارير والمقالات العلمية، إضافة لممارسة الجراحة بعيادته الخاصة ببريطانيا.
لكنه في عام 2006 قطع اعتزال العمليات ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعي، كما استطاعت أعماله أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بإجرائه 100 عملية قلب في عام واحد فقط.
وخلال مشواره الطويل أسس السير العديد من المؤسسات المختصة والخيرية، من بينها تأسيس جراحة زرع القلب في بريطانيا، ومركزا لعلوم القلب بها، وجمعية Chain of Hope الخيرية لرعاية الاطفال في دول العالم الثالث.
العديد من الأوسمة تقلدها الطبيب المصري، من بينها وسام الاستحقاق الملكي البريطاني عام 1991، ووسام ري فيش المقدمة من معهد تكساس للقلب عن إنجازاته في جراحة القلب 1998، ووسام الواجب الأول ووسام الجمهورية من مصر في يوم الطبيب لنفس العام، ووسام وزارة الصحة البريطانية عن دوره في الطب عام 1999.
كما حاز العديد من الألقاب، أبرزها لقب بروفسير في جراحة القلب عام 1985، ومنحته ملكة بريطانيا لقب “سير” عام 1991 ، أيضا حاز لقب “أكثر أطباء العالم إنجازا في عدد عمليات زرع القلب”، ولقّبته أميرة ويلز الراحلة ديانا بـ”ملك القلوب”.
أيضا فاز بجائزة الشعب عام 2000 التي نظمتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC ومنح جائزة فخر بريطانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2007، وجائزة Bradshaw Lectures لأساتذة الكلية الملكية للطب عام 1988، وقلادة النيل العظمى في مصر عام 2011، ووسام العظام للجمعية الأمريكية للقلب في 2012.
أنشأ العالم المصري في محافظة أسوان مركزاً لجراحات القلب لعلاج الحالات الحرجة لغير القادرين، كما شرع في إنشاء مركز آخر ملحق به لدراسات وأبحاث أمراض القلب.
ومن قبلها، أسس يعقوب مؤسسة خيرية عالمية في عام 1995 باسم “تشين أوف هوب” أو “سلاسل الأمل” وسعى من خلالها لإجراء جراحات القلب للمرضى في الدول النامية، ومن بينها مصر، خصوصا للأطفال الذين لا يستطيع ذويهم تحمل نفقات الجراحة والعلاج لهم، كما عمل على إنشاء وحدة رعاية متكاملة بمستشفى قصر العيني بمصر لعلاج التشوهات الخلقية في القلب.
ومؤخرا، افتتح السير مجدي يعقوب مراكز للقلب في إثيوبيا وموزمبيق، ويجري حالياً إنشاء مركز في كيغالي برواندا واليوم، يكرم جراح القلب صاحب الشهرة العالمية الواسعة؛ تقديراً لجهوده في تمكين الرعاية الطبية لإنقاذ حياة من هم في أمس الحاجة إليها، بما في ذلك الفئات المجتمعية الأضعف.
أيضا يكرم بصفته مؤسس مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في مصر، ومنظمة سلسلة الأمل الخيرية في المملكة المتحدة، تقديرا لمساعدته في إنقاذ آلاف الأرواح، خاصة الأطفال.