سياسة

أردوغان وتشويه أنماط القيم


التدخل العسكري التركي في الشمال السوري بذريعة محاربة داعش لا يزال مثار جدل خاصة أن تصريحات أردوغان كشفت عن تنسيق عسكري وسياسي مع الفصائل الإرهابية، واتضحت نواياه التوسعية التي تتجاوز الشريط الحدودي بذريعة المنطقة الآمنة، وبالتالي محاولة خلق واقع ميداني جديد على الأرض وتمكين ما يُعرف بـالجيش السوري الحر وما قد يمثله ذلك من تأثير على الحراك السياسي الذي يدور بين كافة الأطراف في الأزمة.

وتعمل تركيا في إدلب وريف حلب على تهيئة البيئة الاجتماعية لقبول مديد وربما دائم لوجودها السياسي والعسكري بإقامة بنى للخدمات الصحية والبلدية والشرطة المحلية، والعمل على فرض سياسة التتريك في نظم التعليم وتغيير تدريجي لأسماء عدد من القرى والبلدات، وهكذا أطلقت على بلدة الراعي اسم جومان باي، وتسميات أخرى على العديد من المدن في الشمال السوري وصولاً إلى مسخ وتشويه أنماط القيم الخاصة بالولاء والانتماء.

التعامل مع المناطق المنتشرة فيها الفصائل الإرهابية في محافظة إدلب هي آخر مواقع الإرهابيين على الأراضي السورية والتي تعتبرها تركيا ذات نفوذ بالنسبة لها كونها على تواصل مع المسلحين وقد هيأت لهم الانتشار وفتحت الممرات لهم عبر حدودها، وتشكل منطقة خفض التصعيد تحدياً كبيراً يحدد طبيعة النجاح أو الفشل في التعامل مع مصير الحل السياسي في سوريا وهذا يتطلب بذل الجهود من جميع الأطراف والفصائل المتمركزة على الأرض بدعم وتنفيذ الاتفاقات الأمنية.

والواقع أن الاتفاقات الأمنية لم تحقق لتركيا مكاسب، وإنما وقعت بمجموعة من الخسائر المادية والسياسية وعلى رأسها خسارة مصداقيتها أمام حلفائها من الفصائل السورية في جبهة التحرير الوطنية، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ يؤدي أي تراجع لفصائل منطقة خفض التصعيد إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سوريا، درع الفرات وغصن الزيتون أمام القوات السورية ومليشيات قسد التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي يصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.

الشمال السوري يعيش عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية والرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في الجيش العربي السوري، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفده وترميمه والحفاظ على عقيدته وبشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية وزارة دفاع وهيئة أركان، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى.

التركي تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء ونراه أشد شغفاً باتجاه الاتحاد الأوروبي وتارة أخرى في حضن الروسي، وأحد جوانب الخلافات مع المجموعة الأوروبية أن أردوغان أصيب بجنون العظمة، وأيضاً مع أمريكا إذ لا يمكن العيش لها والبقاء سياسياً واقتصادياً دون أن يكون لها موطئ قدم في مناطق شتى من العالم لتبقى دائماً الموجه والحاضر وتبقى في إطار النزاعات والحروب القائمة لأن محور اقتصادها يقتات من الحروب كنتيجة من بيع السلاح، ولم يبق لدى رئيس النظام التركي من خيارات للخروج من مأزقه خاصة في دعمه للإرهاب سوى جر تركيا إلى الفوضى وإثارة حرب أهلية فيها بأسرع وقت ممكن ولا محالة من حتمية سقوطه.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى