سياسة

أردوغان في بروكسل لتعويض ما خسره في موسكو


حاملاً في جعبته إخفاقاته وهزائمه المتوالية، ومتاعبه الداخلية التي تتنامى يوماً بعد يوم، يحط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رحاله في العاصمة البلجيكية بروكسل، 9 مارس/آذار الجاري، بدعوة من رئيس الاتحاد الأوروبي لمناقشة السبل الكفيلة لحل أزمة الهجرة الحالية على الحدود اليونانية التركية، في مسعى من الأوروبيين لإعادة تنظيم العلاقة بين الجانبين بما يكفل طيّ هذا الملف، وسحب كل الذرائع التي استخدمتها أنقرة خلال السنوات الماضية لابتزازهم وابتزاز العالم بها.

الأوروبيون لا يزالون متمترسين خلف موقفهم الرافض قطعياً لاستخدام أردوغان قضية الهجرة والمهاجرين للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية هو في أمس الحاجة إليها بعد اتفاق موسكو الأخير، والذي كشف حجم التباين بين شعاراته الطنّانة وبراغماتيته اللامتناهية، واستعداده لتقديم أي تنازل مهما كان إذا وجد نفسه محشوراً في زاوية ضيّقة.

تركيا “الأردوغانية” باتت اليوم ساحة واسعة لتزوير العملات ووثائق السفر والتأشيرات وكل المستندات الرسمية برعاية وحماية كاملتين من أجهزتها الأمنية، ويصاب المرء بالذهول عندما يقرأ إعلاناً على إحدى منصات مواقع التواصل الاجتماعي عن الاستعداد لتقديم خدمات “تزوير” الوثائق الرسمية، مُذيلا بعنوان أو رقم هاتف تركي!

وبحسب التقارير، فإن أردوغان سيمتطي ملف اللاجئين للوصول إلى اتفاقات جديدة مع الأوروبيين في قضايا ثنائية؛ كتحديث الاتحاد الجمركي وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة للمواطنين الأتراك الراغبين في السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، وطلب المساعدات المالية والعينية للاجئين إلى بلاده، وكذلك طلب الدعم المالي لإعادة الإعمار في مناطق الشمال السوري التي لا تزال تخضع للسيطرة التركية عبر أذرع حلفائه من التنظيمات الجهادية المتطرفة.

وفي المعلومات، أن الاتحاد الأوروبي سيعارض خلال اجتماعه بأردوغان فتح أي ملف يتجاوز اتفاق الهجرة وسبل تأمين عودة سلسة للمهاجرين غير الشرعيين إلى تركيا، فضلاً عن مراقبة سلطات أنقرة الفعالة للحدود، والجهود المشتركة لمحاربة المتطرفين في سوريا ممن يلوذون بالمظلة التركية فيما تنكر أنقرة ذلك.

وفي تصريح استباقي لأي طلب تركي للدعم في مواجهة روسيا، أظهر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في زغرب أن الأوروبيين لا يميلون لأي طرف على حساب الآخر، بل هم في حاجة أكبر إلى تحسين العلاقة مع موسكو وأنقرة في الوقت نفسه.

كل ما سبق هو الخلفية الإجرائية التي ستجري محادثات الجانبين حولها، ولكن كما هو متعارف عليه فإن أي محادثات أو مفاوضات تبدأ بسقوف عالية جداً، وعلى الطاولة يتم تخفيض هذه السقوف وتدوير الزوايا بين الأطراف المتحاورة. ولكن الأكيد أيضاً أن الأوروبيين لن يكونوا أقل حزماً مع أردوغان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وليسوا معنيين البتة بتعويض خسائره من اتفاق موسكو من جيوبهم.

وأكثر من ذلك ما سيدفع الأوروبيين إلى التشدد مع الحليف “المتلون” أردوغان؛ هو حقيقة أن تركيا تحوّلت بسياساته إلى خطر يحيق بالعالم ويشكل تهديداً للأمن والسلم العالميين، وهو في ذلك لا يختلف في شيء عن إيران.

فتركيا “الأردوغانية” صارت قلعة منيعة لقادة الإخوان المسلمين الفارين من عدالة بلدانهم والمحكومين فيها بقضايا الخيانة والتآمر، وعلى أرضها تُرسم المخططات وتُحاك الدسائس ضد كل من يخالف نهجهم وسياساتهم من دول وأفراد ومؤسسات. وأصبحت كذلك منصّة إعلامية لبث الفرقة ونشر الشائعات وزرع الأحقاد. وصارت ممراً لغسل وتصدير أموال الجماعات الإرهابية لغايات إجرامية باستخدام أساليب التفافية وطرق غير مشروعة.

وتركيا “الأردوغانية” باتت اليوم ساحة واسعة لتزوير العملات ووثائق السفر والتأشيرات وكل المستندات الرسمية برعاية وحماية كاملتين من أجهزتها الأمنية. ويصاب المرء بالذهول عندما يقرأ إعلاناً على إحدى منصات مواقع التواصل الاجتماعي عن الاستعداد لتقديم خدمات “تزوير” الوثائق الرسمية، مُذيلا بعنوان أو رقم هاتف تركي!

وبين الحين والآخر تخرج للملأ تقارير تفيد بأن تركيا “الأردوغانية” باتت اليوم مقراً ومستقراً لقادة تنظيمات إرهابية مطلوبين دولياً، غالباً ما تكون هي نفسها استخدمتهم في هذا المكان أو ذاك، وبعد انتهاء مهمتهم أمنت لهم انسحاباً آمناً إلى أراضيها، أو أنها تهيئهم لمهمات جديدة، وسهلت لهم كل الوسائل لاستثمار الأموال القذرة المحصودة من حقول مآسي وعذابات وتشريد الأبرياء وتدمير الأوطان. ويكفي هنا فقط التنويه حول المصانع التي فككتها وسرقتها مافيات تركية مدعومة من أجهزة الأمن من مدينة حلب السورية.

وعلى أراضي تركيا “الأردوغانية” أُقيمت معسكرات تدريب المرتزقة من كل الجنسيات لإعادة تصديرهم إلى دول أخرى بطرق ووسائل كثيرة؛ سواء عبر التصدير المباشر كما حصل في ليبيا وسوريا، أو ما يتم الإعداد له حالياً لمخططات تستهدف بعض الدول الإفريقية.

وعلى الأرضي التركية، وكما يعرف الكثيرون، تنشط مؤسسات وجمعيات تتخذ من القضايا الإنسانية واجهة لها لتؤدي وظائف قذرة؛ كتجارة الرقيق الأبيض والأعضاء البشرية، وغيرهما من الأنشطة المُجرّمة بكل القوانين والأعراف الإنسانية.

فأردوغان الذي كرّس حياته ومقدرات تركيا لاستعادة أمجاد الخلافة العثمانية منذ نحو عقدين، وجد في المجتمعات العربية والإسلامية قوى واعية تمتلك المناعة الكافية للحؤول دون تحقيق مآربه بـ”القوة الناعمة”، فتابع سيره مستخدماً الدسائس والمؤامرات سبيلاً لتحقيق أحلامه.

واليوم يجد العالم نفسه وجهاً لوجه أمام حقيقة مرّة، مفادها أن الدولة التي كان من المأمول منها أن تكون رمزاً للاعتدال والحكمة والانفتاح، أصبحت خطراً داهماً على أمن وسلامة الإقليم والعالم برمته، ومركزاً لشرور تتطاير شظاياها إلى كل مكان.

ولا أظن أن قادة الاتحاد الأوروبي الذين يعرفون كل هذه الحقائق الدامغة عن “تركيا الأردوغانية” سيقدمون له أكثر مما يكفل لهم اتقاء شروره وضبط إيقاع العلاقة معه.

وفي النهاية لن يعود من بروكسل بحصاد أوفر من الحصاد الذي عاد به من موسكو، ليبقى على الشعب التركي وقواه الحيّة إعادة تصويب بوصلة دولتهم، ووضع أيديهم في أيدي كل المظلومين ممن طالتهم يد العبث والشرور الأردوغانية.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى