سياسة

هل يختار حزب الله الرد الساحق أم الهزيمة بعد اغتيال نصر الله؟


شكل اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله صانع قوة الحزب وتصفية عدد من كبار القادة الميدانيين، ضربة قاصمة للجماعة المدعومة من إيران. وطرحت العملية التي تعد أكبر انجاز إسرائيلي وأكبر اختراق على الإطلاق، أسئلة حول الردّ المحتمل وحول مصير الحزب تنظيميا وعسكريا.

وعلى الرغم من أن حزب الله يخضع لنظام داخلي يحدد المهام والمسؤوليات ويرتب مسألة الخلافة على رأس الأمانة العامة في حال الشغور لأي سبب، إلا أن اغتيال نصرالله قد يضع الحزب على مفترق طرق فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها وحماية نفسه وقاعدته الشعبية، وفق ما يقول محللون.

ولطالما شكل نصرالله الذي يعدّ حزبه القوة العسكرية والسياسية الأبرز في لبنان، العدو اللدود لإسرائيل. ومنذ توليه منصبه عام 1992، اكتسب هالة بوصفه قاد حزبا خاض منازلات عدة مع الدولة العبرية وخرج منها بمظهر المنتصر.

بعد قرابة عام من فتح حزبه جبهة “إسناد” لحليفته حركة حماس من جنوب لبنان ضد إسرائيل، جاء مقتل نصرالله بغارة إسرائيلية في معقله في ضاحية بيروت الجنوبية الجمعة بعد خسائر غير مسبوقة تلقاها تباعا في الأسبوعين الأخيرين.

ويقول مدير ملف سوريا والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن “إذا لم يرد حزب الله في هذه المرحلة بضربة إستراتيجية مستخدما ترسانته من الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، فيمكن عندها افتراض أنه ببساطة غير قادر على فعل ذلك”، مضيفا “إما أن نرى رد فعل غير مسبوق من حزب الله… أو ستكون الهزيمة الكاملة”.

وحزب الله هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بحجة “مقاومة إسرائيل” التي احتلت مناطق واسعة في جنوب البلاد بين العامين 1978 مايو/ايار 2000. وله ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني، بحسب خبراء.

لكن بعد نحو عام من بدء تبادله القصف مع إسرائيل، بوتيرة ارتفعت حينا وتراجعت حينا آخر، حوّلت إسرائيل تباعا ثقل عمليتها العسكرية من غزة إلى لبنان، حيث أسفرت غارات كثيفة تشنها منذ الاثنين عن مقتل المئات وتشريد نحو 120 ألف شخص من منازلهم.

وأعقبت الغارات الكثيفة التي استهدفت بشكل رئيسي مناطق في جنوب لبنان وشرقه، تفجير الآلاف من أجهزة اتصال يستخدمها حزب الله الذي اتهم إسرائيل بالوقوف خلفها، ما أسفر عن مقتل 39 شخصا وإصابة قرابة نحو 3000 آخرين بجروح.

وفي الأسبوع الأخير، أسفرت الضربات الإسرائيلية على بيروت عن مقتل عدد من قادة حزب الله البارزين، واحدا تلو الآخر.

ويقول الباحث في مؤسسة “سنتشري” سام هيلر إن امتناع حزب الله عن ردع إسرائيل بعد قتلها زعيمه قد يشجعها على المضي بشكل أكبر في هجماتها ضده.

وخلال نحو عام من التصعيد عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، يرى هيلر أن حزب الله لم يستنفد بعد القدرات العسكرية التي لطالما لوّح بامتلاكها “وافترض معظمنا أنه يحتفظ بها”، حتى عندما كثّف خصمه الغارات ضده ونفذ عمليات متقدّمة. ولا يستبعد أن تكون قدرات حزب الله “مبالغ فيها” أو أنه جرى تدميرها بالكامل من إسرائيل.

ومنذ حرب صيف 2006 التي خاضها الحزب والدولة العبرية و”هزم فيها الإسرائيليين”، كرّس حزب الله وفق هيلر “معادلة الردع طويلة الأمد” مع إسرائيل، لكن “يبدو واضحا اليوم أنه لا يستطيع حماية نفسه”.

مع خسارة قائدهم والرجل الأكثر نفوذا في لبنان، فإن أنصار زعيم حزب الله الذين شرّدتهم الغارات الإسرائيلية وحرمتهم أفرادا من عائلاتهم، سيتوقعون أكثر من رد رمزي، وفق محللين.

وترى الأستاذة المحاضرة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون حزب الله أمل سعد أن الحزب الذي بات بلا قائد بعد الضربة الهائلة، سيحتاج إلى تحقيق توازن دقيق في اختيار رده.

وتتوقع أن يسعى الحزب من جهة إلى تفادي دفع إسرائيل لشنّ “حملة قصف شامل ضد بيروت أو أنحاء لبنان”، بينما يتعيّن عليه في الوقت ذاته “رفع معنويات” أنصاره ومقاتليه.

وسيتعيّن على حزب الله أيضا أن يُظهر أنه قادر على حماية شعبه والانتقام من إسرائيل، مع الحفاظ على السلام بين مختلف المكونات الطائفية في لبنان، المنقسمة حول قضايا رئيسية بينها تحكّم حزب الله بقرار السلم والحرب.

وتدفّق عشرات الآلاف من مناصري الحزب الشيعي المدعوم من طهران من جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية إلى مناطق أخرى ذات مكونات طائفية مختلفة، بحثا عن مأوى من الغارات الإسرائيلية.

ويرى الباحث في معهد كارنيغي للشرق الأوسط مهند حاج علي أن خسائر حزب الله الأخيرة أصابته بـ”شلل” محذرا في الوقت عينه من استبعاد الحزب عن المشهد تماما.

وقال “يتطلب الأمر قيادة جديدة ونظام اتصالات، واستعادة سرديته والتواصل مع قاعدته الشعبية”، لكنه سيكون من “الصعب جدا تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة”.

ولطالما كرّر كبار قادة حزب الله الإشارة إلى أن القضاء على قياديين من صفوفهم لا يؤثر على بنية الحزب العسكرية وقدراته الميدانية.

وتشرح سعد في هذا السياق أن بنية حزب الله كمجموعة مسلحة “مصمّمة لاستيعاب صدمات مماثلة”، مشيرة على سبيل المثال إلى مقتل القائد العسكري البارز في الحزب عماد مغنية بتفجير سيارته في دمشق عام 2008، والذي تم نسبه إلى إسرائيل، مضيفة “عندما ينقشع الغبار، فإن أداء حزب الله لا يعتمد على شخص واحد”، موضحة أن نصرالله في نهاية المطاف “ليس شخصية أسطورية، بل إنسان” عادي.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى