من الإمارات إلى المغرب.. البابا فرنسيس يعمق روح المحبة والحوار الإسلامي المسيحي


في أول زيارة له للمملكة المغربية، يصل البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى الرباط السبت، لتعميق روح المحبة والحوار الإسلامي المسيحي، في خطوة جديدة ضمن مسيرة الأخوة الإنسانية التي وقعت بأبوظبي الشهر الماضي.

وتعد الرباط محطة رئيسية في طريق التواصل بين الإسلام والمسيحية، الذي قاد البابا فرنسيس إلى مصر سنة 2017، ثم إلى الإمارات في شهر فبراير الماضي، في أول زيارة إلى الخليج العربي، في خطوة تؤكد جدية مسعى بابا الكنيسة الكاثوليكية للتقارب مع العالم الإسلامي من جهة، وجدية ما لقيه من ترحيب واهتمام في أبوظبي من جهة أخرى.

ورغم أن نسبة الكاثوليك في المغرب ليست كبيرة مقارنة بالشرق الأوسط، تعد هذه الزيارة هي الثانية من نوعها، بعد الأولى التي كانت في عام 1985 وقام بها البابا يوحنا بولس الثاني (1920 -2005)، والتقى حينها الملك الراحل الحسن الثاني (1929- 1999م).

وتحت شعار خادم الأمل، تهدف زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية، التي تستمر ليومين، إلى تطوير الحوار بين الأديان وتعزيز التفاهم المتبادل بين مؤمني الديانتين وترسيخ قيم السلام والتسامح.

ويولي البابا فرنسيس أهمية كبيرة للتعايش على أساس الأخوة الإنسانية والحوار بين المسيحية والإسلام كعامل رئيسي من أجل السلام في العالم الذي يشهد العديد من التغيرات والاضطرابات.

ووفق وسائل إعلام محلية، فإن زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب يتوج بها ما حققه خلال زيارته التاريخية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من تأكيد على أهمية التواصل والحوار بين الأديان وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات المسيحية الإسلامية، حيث التقى شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ووقعا معا وثيقة الأخوة الإنسانية.

وتقر الوثيقة، التي شهدت تفاعلاً دولياً وإقليمياً، عدداً من الحقائق، أبرزها: أن أهم أسباب أزمة العالم اليوم تعود إلى تغييب الضمير الإنساني وإقصاء الأخلاق الدينية، وكذلك استدعاء النزعة الفردية والفلسفات المادية التي تؤلِّه الإنسان، وتضع القيم المادية الدنيوية موضع المبادئ العليا والسامية.

وطالبت قادة الدول وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جدياً على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف ما يشهده العالم من حروب وصراعات ونزاعات وتراجع مناخي وانحدار ثقافي وأخلاقي.

وعن زيارة البابا فرنسيس للمغرب، قال المطران كريستوبال لوبيز، رئيس أساقفة الرباط، خلال مؤتمر صحفي خصص لتقديم برنامج الزيارة، إن الزيارة تعد لحظة تاريخية لتقوية الحوار بين الأديان، وترسيخ قيم السلام والتسامح، مضيفا أنها الأولى لقداسة البابا فرنسيس وتندرج في إطار تطوير الحوار بين الأديان وتعزيز التفاهم المتبادل بين الديانتين، كما أكد أنها ستكون فرصة مواتية للتطرق لبعض القضايا المتعلقة بالهجرة.

وأنشأت الكنيسة الكاثوليكية المحلية مراكز استقبال للمهاجرين في عدد كبير من المدن المغربية، بسبب عدم وجود مراكز أخرى.

 ومسألة المهاجرين موضوع دقيق آخر في المغرب، الذي يؤكد تبني سياسة استقبال “إنسانية”، وقال رئيس أساقفة طنجة المونسنيور سانتياغو أنجيلو مارتينيز “آمل في أن تحقق زيارة البابا تقدما في هذه القضية”.

تزينت ميادين وشوارع العاصمة المغربية الرباط؛ استعداداً للزيارة المرتقبة عبر تجميل وصيانة عدد من الشوارع وتزيينها بالورود وتبييض واجهات المحلات التجارية والعقارات، كما تزيّنتْ جنباتُ ومعالمُ كاتدرائية القديس بطرس في الرباط اسْتعداداً لزيارة البابا فرانسيس، حيثُ من المقرّر أن تحتضن لقاء مع أعضاء من الطوائف المسيحية المختلفة في المملكة، في حدث هو الأهم في تاريخ هذه الكاتدرائية، وفق وسائل إعلام محلية.

ووفق وسائل إعلام محلية، تشهد مدينة الرباط منذ الأسبوع الماضي استنفارا أمنيا كبيرا، خاصة في المناطق التي يحل بها البابا فرنسيس، حيث يوجد في كلّ شارع أفراد من القوات المساعدة وعناصر أمنية بالزي الرسمي، يقومون بتأمين الأحياء القريبة لزيارة البابا.

كما لوحظَ، خلال الأيام الأخيرة، توافد عناصر من الشرطة والحماية بالقرب من الكاتدرائية، حيثُ جرى تعزيزها بأعضاء جدد ترقباً للزيارة.

وجَّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى الشعب المغربي، معربا عن شكره وتقديره لدعوته لزيارة المغرب، كما أكد القيم المهمة المرتبطة بهذه الزيارة الرسولية.

وقال قداسة البابا في مقطع مصور بثّته بوابة أخبار الفاتيكان: يا شعب المغرب الحبيب، السلام عليكم.. سأذهب قريبا لبلدكم العزيز في زيارة ستستمر يومين.. أشكر الله على هذه الفرصة التي منحني إياها.. أنا ممتن لجلالة الملك محمد السادس على دعوته الكريمة وللسلطات المغربية على التعاون السخي.

وأضاف: وعلى خطى سلفي القديس يوحنا بولس الثاني، سأجيء كحاجٍّ للسلام والأخوة في عالمٍ ما أحوجه لهذه القيم.. إننا كمسيحيين ومسلمين، نؤمن بالله الخالق والرحيم، الذي خلق البشر وجعلهم في العالم حتى يعيشوا كإخوة، محترِمين بعضهم بعضا في التنوع، ومساعدين بعضهم بعضا عند الحاجة؛ وقد عهد إليهم بالأرض، بيتنا المشترك، كي يتعاونوا في المحافظة عليها بمسؤولية، ورعايتها للأجيال القادمة.

وأشار إلى أنه لمن دواعي فرحي أن أتشارك معكم مباشرة بهذه الاقتناعات في اللقاء الذي سنعقده في مدينة الرباط، إن هذه الزيارة، علاوة على ذلك، ستمنحني الفرصة الثمينة للقاء الجماعة المسيحية الموجودة على أرض المغرب وتشجيع مسيرتها، كما سألتقي المهاجرين الذين يمثلون نداء لبناء عالم أكثر عدلا وتضامنا…أصدقائي المغاربة الأعزاء، أشكركم بحرارة على ترحيبكم منذ الآن، وقبل كل شيء على صلواتكم، مؤكدا صلواتي من أجلكم ومن أجل بلدكم العزيز.. وإلى اللقاء قريبا.

ويصل قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، السبت، إلى العاصمة المغربية الرباط ويستقبله الملك محمد السادس، ملك المغرب، حيث يترافقان معا سيرا على الأقدام حتى صالة الشرف في المطار، حيث يقدم له الملك الحليب والتمر، وفق التقاليد المغربية في الاستقبال.

وعقب ذلك يتوجه الملك محمد السادس وقداسة البابا فرنسيس، كل في موكب خاص نحو القصر الملكي، حيث تُجرى للبابا فرنسيس مراسم استقبال رسمي في القصر الملكي، بعزف النشيد الوطني للبلدين، وتحية العلم وحرس الشرف ثم استعراض الوفود، ثم يتوجهان إلى المكتب الملكي لتقديم العائلة الملكية وتبادل الهدايا ومن ثم يعقدان اجتماعا مغلقا.

ويستقبل الملك محمد قداسة البابا بساحة البرج حسان، حيث يلتقيان أعضاء السلك الدبلوماسي والشعب المغربي والمجتمع المدني للتحية، ويلقي كل من الملك محمد السادس وقداسة البابا خطابين.

ينتقل بعدها الملك محمد وقداسة البابا إلى ضريح محمد الخامس للترحم على روح الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، حيث يضع قداسة البابا الزهور على الضريحين ثم يسجل رسالته في الدفتر الذهبي.

وفي أعقاب ذلك، يزور الملك وقداسة البابا معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات والمرشدين، لحضور اجتماع مع الطلبة يترأسه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومدير المعهد وأمين مجلس “المشورة”.

ويلقي وزير الأوقاف خطابا بالمناسبة، كما سيدلي طالب أوروبي وطالب أفريقي بشهادتهماـ وبعدها تقدم أناشيد دينية حسب التقاليد العبرية والإسلامية والمسيحية.

وفي المساء، ينتقل قداسة البابا إلى مقر مؤسسة كاريتاس في أبرشية الرباط، حيث يتم استقباله من طرف أسقف طنجة وسيقوم بلقاء بعض المهاجرين والأشخاص الذين وضعوا أنفسهم في خدمتهم. ويستمع قداسة البابا إلى شهادة أحد المهاجرين ثم يلقي قداسته خطابا، بعدها يتم تقديم حفل موسيقي من قبل بعض الشباب المهاجرين.

ويتوجه قداسة البابا إلى القصر الملكي لحضور حفل العشاء، حيث يستقبل الملك محمد السادس برفقة وفد الفاتيكان.

وفي اليوم التالي يزور قداسة البابا مركز الخدمات الاجتماعية في تمارة، الذي تديره راهبات المحبة التابع للقديس منصور دي بول، ثم يجتمع قداسة البابا، في كاتدرائية القديس بطرس، في الرباط، بالكهنة والمكرسين والمكرسات وممثلي المسيحيين من الطوائف الدينية الأخرى.

ويلقي قداسته بعدها خطابا ثم يحيّي بطريقة رمزية الراهبة والكاهن الأكبر سناً في الأبرشية، يلي ذلك تلاوة صلاة التبشير الملائكي، التي تُنقل حسب العادة، كل يوم أحد عبر وسائل الإعلام إلى العالم بأسره.

Exit mobile version