صحة

تلوث مياه الشرب والسودان يدفع فاتورة فساد مياه الإخوان


سيدة سودانية “أم عبيد”، والتي دخلت العقد الثامن من عمرها، تعيش مرارة فقدانها اثنين من أبنائها بسبب الفشل الكلوي، وذلك خلال فترة لم تتجاوز 9 أشهر.

                                         

وقد دعت السيدة السودانية نفسها 4 من أقاربها خلال العامين الماضيين إذ كان أحدهم بالفشل الكلوي، وأخرى في مقتبل العمر بسبب الملاريا، وثالثة بسبب السرطان، حيث يشكل تلوث مياه الشرب عاملا مشتركا في جميع أمراض، و السبب الرئيسي في بعض الأحيان.

وقد ذكرت تحقيقات قامت سكاي نيوز عربية بإجرائها خروقات كبيرة ارتكبها نافذون في نظام الإخوان المخلوع، في السودان في عمليات معالجات وإمدادات مياه الشرب في البلاد، الأمر الذي أسفر عن وفاة الآلاف نتيجة الإصابة بأمراض ذات صلة بتلوث المياه وتراكماتها، إلى جانب إهدار مئات الملايين من الدولارات نتيجة صفقات فاسدة متعلقة باستيراد المواد الكيميائية التي تستخدم في تنقية المياه.

هذا وقد كشفت جولة في بعض مناطق الخرطوم، تلفيات في العديد من الشبكات، الأمر الذي يؤدي في الكثير من الأحيان لاختلاط النفايات الضارة ومياه الصرف الصحي بمياه الشرب.

إن تلوث مياه الشرب في السودان يتسبب في زيادة معدلات الإصابة بالملاريا، التي وصلت وفق منظمة الصحة العالمية إلى نحو 1.8 مليون مريض، أي قرابة 5 بالمئة من سكان السودان، فضلا عن السرطانات والفشل الكلوي والتايفويد والإسهال، ويؤدي ذلك إلى رفع الكلفة الصحية لتلك الأمراض التي تقدرها تقارير مستقلة بنحو 490 مليون دولار سنويا، بينما يحتاج السودان إلى أقل من هذا المبلغ بكثير لتأهيل الشبكات وتنقية المياه، حسب منظمة المبادرة السودانية لحماية البيئة.

كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن صرف دولار واحد على الصرف الصحي وتنقية المياه يوفر على الحكومات 4.9 دولارات من الإنفاقات التي تتم لمواجهة الكوارث الصحية والبيئية الناجمة عن تلوث المياه.

ومن جانبهم، يؤكد أطباء في مستشفى ابن سيناء، والذي يعد واحدا من أكبر مستشفيات الخرطوم ويستقبل عددا من مرضى الفشل الكلوي، بأن معدلات المرض وتكاليفه ازداد بشكل كبير، حسب سجلات المستشفى فقد ارتفع عدد المرضى الذين تم استقبالهم في 2019 بنسبة 32 بالمئة مقارنة بعام 2014.

طرق فاسدة

وبدوره، يقول مهندس في هيئة مياه الخرطوم، لم يرد الكشف عن اسمه، بأن الهيئة كانت تتبع طرقا فاسدة ومخلة فيما يتعلق بعطاءات صيانة الشبكات ومواد تنقية وتعقيم المياه، في عهد الإخوان والرئيس السابق. مشيرا إلى أنه يتم في الكثير من الأحيان تغليب الاعتبارات والمصالح الشخصية والحزبية على حساب المعايير الفنية.

بالإضافة إلى ان هناك حالات كانت فيها عمليات الفساد مركبة، حيث أضرت بالإنسان والدولة معا، نظرا لأنها شملت إدخال مواد غير مطابقة وفي ذات الوقت تم تمويلها من بنوك وطنية دون ضمانات كافية، وهذا ما كشفته قضية شركة (ر) التابعة لعضو هارب بالمؤتمر الوطني، متهم بتلاعبات واسعة إذ يعتقد أنها أدت إلى أضرار واسعة بالاقتصاد الوطني.

وقد أشارت أيضا تقارير إلى إدخال الشركة المذكورة مادة (الباك) دون الوفاء بالمتطلبات الفنية والصحية اللازمة، وذلك بالاستفادة من نفوذ صاحب الشركة المرتبط بعلاقات وثيقة مع عبد الرحمن الخضر الذي يعتبر أحد أبرز العناصر الإخوانية وأكثرها نفوذا، مع العلم بأنه تولى في السابق منصب والي الخرطوم.

انتهاكات واضحة

وحسب الصحفية هبة عبد العظيم، والتي قد تعرضت للاعتقال والتنكيل في عهد البشير بسبب تحقيقاتها الشجاعة عن تلوث المياه، فإن الأزمة في مواد تنقية المياه في 2010 دفعت للجوء إلى شركة الرازي المملوكة لفضل محمد خير المقرب من عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم في ذلك الوقت لاستيراد مواد تنقية بصورة عاجلة.

وقد أكدت من جهتها هيئة المواصفات والمقاييس عند وصول الشحنة الأولى عدم مطابقتها للمواصفات، وبأن مادة البوليمر المستوردة من قبل شركة الرازي غير صالح للاستخدام الآدمي أو الحيواني، غير أن ولاية الخرطوم كانت قد وقعت في خطأ حيث وصفه البعض بالكارثي حين آثرت أن تتحمل رسوم الأرضية بميناء سواكن لشهور طويلة مما كلفها مبالغ طائلة، بينما فشلت الشركة في إعادة المادة إلى دولة المنشأ.

وقد كان خيار رئاسة الولاية بالخرطوم أن تقوم بترحيل هذه المادة الفاسدة إلى الخرطوم وتخزنها بمخازن هيئة المياه بمحطات جبل أولياء وتوتي والثمانيات والمقرن، وأشارت أيضا هبة إلى أن مصادر من داخل هيئة المياه أكدت أن هذا البوليمر الفاسد قد تسبب في تآكل الأبواب الحديدية الضخمة للمخازن، إذ أنها كانت موجودة بداخلها حتى تاريخ قريب.

وذكرت أيضا هبة بأن مياه النيل تختلط بمياه الصرف الصحي ومخلفات التصنيع، حيث يمتد مصرف خرساني من الشرق إلى الغرب من محطة الصرف الصحي بنهاية أحياء مايو جنوب الخرطوم، ومع بداية مدينة الأزهري، وتمر مياه الصرف الصحي دون معالجة عبر مصرف يخترق مصنع اليرموك ليحمل مخلفاته متجها نحو مصبه في النيل الأبيض، وحين تصب في النيل تصبح المياه مثل رغوة الصابون.

وبدروها تؤكد منى سلمان، وهي ناشطة في العمل النقابي، بأن التلفيات التي تحدث في شبكات المياه تظل بلا إصلاح لفترة طويلة، بسبب الفساد وسوء الإدارة، مما يجعلها تشكل خطرا حقيقيا على حياة الناس، مشيرة إلى أن الأمر يزداد خطورة في ظل استمرار سيطرة العديد من رموز الفساد التابعين للنظام السابق على مراكز القرار في هيئة المياه، ومقاومتهم لكافة الجهود التي تهدف لتعيين مدير قادر على وضع حد للفساد المستشري في القطاع.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى