سياسة

“الإخوان” والعمل السري: آخر العمليات الفاشلة للنظام الخاص


أدركت جماعة الإخوان، منذ نشأتها الأولى؛ أنّها في حاجة إلى تأسيس تنظيم مسلَّح يعمل على حماية مصالحها، وقد كان مع نشأة النظام الخاص، الجناح العسكري للجماعة، والذي نفّذ العديد من المهام الإرهابية، كان في مقدمتها اغتيال القاضي الخازندار أمام منزله، ثم اغتيال رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي، ثم محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ورغم قوة التنظيم الخاص داخل تيار الإخوان، إلا أنّ أعضاء الجماعة يؤكدون دائماً أنّ العمل المسلح انتهى مع التأسيس الثاني لجماعة الإخوان، بعد خروجهم من المعتقلات، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، واستمر ذلك النفي حتى الآن، رغم استمرار العمليات الإرهابية التي تورط فيها أعضاء جماعة الإخوان، وتزعم الجماعة دائماً أنّه لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأي عمل مسلّح.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن؛ هل كانت محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر هي آخر عمليات النظام الخاص بالفعل؟

التنظيمات السرية في الإخوان

تدلّ وقائع التاريخ؛ أنّ جماعة الإخوان المسلمين سقطت في شرك العمل السري أربع مرات حتى اليوم، تلك المراحل ذكرها عضو جماعة الإخوان المسلمين المنشق، الدكتور عبد الستار المليجي، في كتابه “آخر العمليات الفاشلة للتنظيم السريّ”، الصادر عن دار “ميريت” بالقاهرة، أشار المليجي في كتابه إلى أنّ المرة الأولى التي تشكّل فيها التنظيم السري كانت بقرار من المرشد العام حسن البنا، عام 1941، ووضع على رأسه محمود عبد الحليم المهندس الزراعي السكندري، لكنّه استقال لظروف خاصة، ثم حلّ محلّه موظف بوزارة الزراعة يدعى عبد الرحمن السندي.

عن مبرر تأسيس نظام مسلّح للجماعة، كتب المليجي: “كان المبرر في البداية حماية الدعوة من خصومها، وانتهى أمر هذا التنظيم بالتمرد على الجماعة ومقاتلتها والخروج على قواعد الدين والقانون في وقت واحد، ثم تسبّب في مقتل البنا، كبير الإخوان، كردِّ فعل طبيعي لمقتل النقراشي كبير الحكومة وقتها”.

يضيف المليجي؛ أنّ التنظيم السري الثاني شكّله الأستاذ الهضيبي، تحت ضغط الشعور بالخطر من جهتين، الأولى بقايا التنظيم السري المنحل، والثانية مجلس قيادة الثورة الذي بدأ يطارد الجماعة لوقوع خلافات حادّة بينها وبينه، وأوكل التنظيم الجديد إلى صاحب ورشة نجارة يدعى يوسف طلعت، وانتهى التنظيم الثاني بالقبض على معظم أعضائه، ثمّ القبض على المرشد، وأعضاء الجماعة، وإعدام رئيس التنظيم، عام 1954، والذين اتُّهموا بالاشتراك في محاولة قتل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية.

التنظيم السري الثالث، بدأت فكرته نهاية الخمسينيات، وتشكّل في بداية الستينيات بقيادة تاجر حبوب من دمياط، يدعى الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، ومعاونه المهندس الزراعي محمد الشريف، وحدّد هدفه في قتل عبد الناصر ومعاونيه، وقلب نظام الحكم بالقوة، وانتهى التنظيم بالقبض على أعضائه وإعدام رئيس التنظيم، ومعه سيد قطب ومحمد يوسف هواش.

يشير المليجي في كتابه إلى أنّ “التنظيم السري الرابع تشكّل بالسجون، حوالي عام 1973، على مشارف الخروج منها، بعد وفاة عبد الناصر”، مضيفاً: “رئيس التنظيم الرابع كان قيادياً في التنظيم الأول، وهو الفيزيائي بالأرصاد الجوية، مصطفى مشهور، من قرية السعديين مركز منيا القمح شرقية، وتنظيم مشهور الجديد تشكل من رفقائه القدامى، ومن سار على طريق السريين من بعدهم، ومعظم من بقي من تنظيم الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، واستكمل هذا التنظيم تشكيلاته فور خروج الإخوان من السجون، عام 1975، بتجنيد كثيرين من شباب الجماعات الإسلامية في فترة السبعينيات”.

عن هدف التنظيم الرابع قال المليجي: “كان هدف التنظيم الرابع مغايراً للتنظيمات السابقة، كان الهدف الجديد هو قلب نظام الحكم في الإخوان أولاً (اختطاف الجماعة) ليستولي على مقدرات الجماعة وممتلكاتها ويتخلص من ازدواجية القيادة، ويصبح مطلق اليد في قرار الإخوان، ثم يأتي الهدف الثاني، وهو استخدام الجماعة المختطفة للاستيلاء على الحكم في مصر”.

بهذه الرؤية؛ يفصل عبد الستار المليجي بين الجماعة ككيان، وبين التنظيم الخاص، وعن ذلك ذكر في كتابه: “وأمام هذه الحقائق التاريخية الدامغة؛ فإنّنا نستطيع أن نقرر أنّ الإخوان المسلمين شيء، والتنظيم السري شيء آخر، يختلف عنها تماماً، وأنّ جماعة الإخوان المسلمين قد تأذت كثيراً من فعل هؤلاء وخبصهم ولبصهم على مدار التاريخ”.

السرّيون الجدد 

شهادة المليجي، باعتباره عضواً سابقاً بالتنظيم الخاص، الذي أسس له مصطفى مشهور، رغم أنّها شهادة شخصية، إلا أنّه أكّدها ما ورد في الجزء الثاني من “موسوعة الحركات المسلحة”، للقيادي الإخواني المنشق، مختار نوح، والتي أورد فيها تفاصيل القضية 122 لعام 1983، التي كشفت تأسيساً جديداً للتنظيم السرّي لجماعة الإخوان المسلمين.

نوح، في كتابه، أكّد رواية المليجي بأنّ التنظيم السري كان مساراً آخر لا علاقة له بجماعة الإخوان ككيان، يقول نوح: “ففي أحد الأيام الساخنة، في عام 1983، استدعى عمر التلمساني عدداً من المقربين إليه، والمستشارين في حجرته، إلى المناقشة والحوار حول ما كتب في بعض الصحف، من أنّ تنظيماً سرياً قد تمّ اكتشافه في الإخوان المسلمين، وتبادل وجهات النظر مع الجالسين، إلا أنّ أغلب الموجودين رأوا أنّ هذه مكيدة من نظام ما بعد السادات؛ لأنّه كان من وجهة نظرهم نظاماً غامضاً لم يظهر منه ما تطمئن إليه نفوس الإخوان”.

غير أنّ اعترافات المتهمين في القضية أكدت وجود تنظيم سري لا يعلم عنه مكتب إرشاد الجماعة شيئاً، ذكر نوح في كتابه: “قال أحمد توفيق كنزي، المتهم الأول في القضية؛ إنّه كُلِّف من الدكتور محمود عزت بتكوين مجموعات تنظم في قسم خاص، وتربَّى تربية خاصة، تحت إشرافه شخصياً، وأنّ محمود عزت بدأ في هذا العمل بمجرد وجوده في القاهرة، بحسب تعبيره، وقام أحمد توفيق كنزي بذكر مجموعة من البيانات والمعلومات لهذا التنظيم الخاص، ثم قامت مباحث أمن الدولة بانتزاع هذه الاعترافات ثم كتابتها على هيئة أول مذكرة معلومات ضدّ الإخوان المسلمين في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وتم القبض على هؤلاء جميعاً، عدا المتهمَين: محمود عزت وخيرت الشاطر”.

العملية سلسبيل

يستكمل عبد الستار المليجي، في كتابه “آخر العمليات الفاشلة للتنظيم السرّي”، ذكر سيطرة التنظيم الخاص على جماعة الإخوان وانقلابه على مجريات الأمور داخل الجماعة؛ بسرد تفاصيل العملية سلسبيل: “فور اكتمال طلائع الغزو المعدّ في أوروبا وأمريكا والسعودية والكويت واليمن، تشكّل منهم تنظيم مصغر، تحت لافتة شركة سلسبيل، بمجلس إدارة مكوَّن من أحمد عبد المجيد، بصفته مالك الشركة الأم في لندن، وخيرت الشاطر رئيس مجلس الإدارة، وعضوية حسن مالك، ومحمد إبراهيم، وعدد من الإخوان المراسلين بكلّ محافظة، كما تأسّس فرع لشركة “سلسبيل” بالمنيا، تحت قيادة محمد سعد الكتاتني وكمال الفولي، ليكون المسؤول عن تسويق أفكار التنظيم السري في الصعيد، وبدأ التنظيم يجمع معلومات تفصيلية حول جميع الإخوان ويسجلها في كروت باسم كل عضو، وجمعت المعلومات في شركة “سلسبيل” دون أي علم من مكتب الإرشاد أو العاملين معه، وبدأت هذه المنظمة الجديدة تصنف الإخوان دينياً، تبعاً لمواصفاتها الخاصة”.

عملية سلسبيل كانت سبباً في كشف تنظيم الإخوان بالكامل للأجهزة الأمنية في القاهرة، “ولكن كيف كانت نهاية المتورطين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان؟ كان جهاز أمن الدولة وراءهم خطوة بخطوة وتركهم يعملون بدأب واجتهاد في جمع المعلومات التي عجز هو عن جمعها عن الإخوان، ولما اكتملت عمليتهم ونضجت الثمرة وحان وقت قطافها، تقدّم ضباط أمن الدولة، بقيادة العقيد محمد قمصان، وقبضوا على المعلومات مرة واحدة في ساعة واحدة”.

وعن السيطرة الكاملة للنظام الخاص على مجريات الأمر في الجماعة؛ ذكر مختار نوح في كتابه “موسوعة الحركات المسلحة”: “هذا الصراع ظلّ خفياً، لم يظهر على السطح حتى مات حامد أبو النصر، بعد حوالي عامين من رئاسة إدارة الجماعة، لكن فوجئ الجميع بأنّ المستشار مأمون الهضيبي لم يترك فرصة لأحد أن يفكر أو ينتخب فقام بمبايعة مصطفى مشهور علناً أمام الناس عن المقبرة، وسُميت هذه البيعة “بيعة المقابر”، وتولّى مصطفى مشهور منذ هذه اللحظة أمور الجماعة، وبدأت الأمور تتغير ليتحقق ما أراده محمود عزت وخيرت الشاطر في القضية رقم 122 لعام 1983، وما كان يعقد سرّاً في الجماعة على هيئة تنظيم خاص أصبح يوجد علناً، بل أصبح هو المسيطر”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى