سياسة

الإخوانية العثمانية


مؤخراً وبشكل ملحوظ وفج باتت تنشط وسائل الإعلام العربية المؤيدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الترويج لانتصاراته العسكرية والسياسية. والتبشير به وكأنه “المهدي المنتظر” لدى المسلمين. طبعا غالبية هذه الوسائل تنطق بلسان جماعة الإخوان التي بات أردوغان بمثابة مرشدها الأعلى وعرابها العالمي، ولكن الأمر ينطوي على رؤية تفوق التقاء المصالح بين أردوغان والإخوان.

الإسلام السياسي بشقه الإخواني بات يرى في العثمانية بديلا لمشروع الدولة التي لم يفلح في تشييدها بيده. بات يحلم بإعادة إطلاق الإمبراطورية العثمانية بحلة جديدة تكون تحت قيادته وإشرافه، ويحكمها من الباطن كما يفعل في بعض الدول العربية. ولذلك تروج جماعة الإخوان بساستها وأبواقها الإعلامية للحقبة العثمانية، وكأنها امتداد لدولة إسلامية كبرى ازدهرت في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، وليست حقبة استعمارية عانت منها الدول العربية لنصف قرن.

وسائل الإعلام الإخوانية تتحدث عن الاحتلال التركي لدول مثل سوريا وليبيا وكأنه صحوة عثمانية لاسترداد أمجاد الإمبراطورية الإسلامية في العالم، يطبلون ويزمرون لأردوغان وينقلون أخبار معارك جيشه وقوة جنوده، من أجل أن يقنعوا الشعوب العربية بأن السلطان الجديد يسعى إلى احتلال دولهم لهفة وغيرة منه على الدين الإسلامي، وليس لمصالح دنيوية وانتهازية لا تتجاوز دائرته الضيقة.

لتكتمل القصة لا بد من التذكير ببطولات الإمبراطورية العثمانية أمام الغرب “الكافر” الذي يتربص بأمتنا ليل نهار. ولا بد من استدعاء أبطال تلك الإمبراطورية وتسليط الضوء على تاريخهم العظيم عبر المسلسلات والبرامج الوثائقية والمقالات. بالإضافة طبعاً إلى تعميم صورة أردوغان كقائد للعالم الإسلامي. خاصة عندما يخرج بتصريح “ناري” حول المسلمين في مكان ما على الأرض، يصبح القائد الهمام الذي لا يخشى لومة لائم في المجاهرة برأيه وقناعاته التي تعبر عن إسلامه.

لا يهم إن كانت تصريحات أردوغان تحدث تأثيراً حقيقياً في حياة المسلمين أم لا. ولا يهم أيضاً إن كان يثبت على مواقفه في دعم المستضعفين أم لا. المهم فقط أن هذه التصريحات والمواقف لم تصدر عن غيره بين قادة الدول العربية والإسلامية. فهو المقدام الوحيد في العالم من وجهة نظر الإعلام الإخواني. ومع تكرار المشهد ذاته مرة تلو الأخرى، يتحول السلطان العثماني المبعوث من الماضي المجيد إلى “مهدي” ويصبح دعمه ضرورياً وواجباً على كل مسلم حول العالم.

الأهم من الدعم الإعلامي في الترويج لصورة “أردوغان الخليفة” هو الدعم السياسي والمادي والعسكري. فتوضع خزائن الإخوان والدول التي يديرونها من الباطن تحت تصرف السلطان. ويتداعى قادة الجماعة إلى مباركة أي سلوك أردوغاني داخل تركيا وخارجها. وحتى عندما يخطئ السلطان أو يتسرع في قرار ما يتسابق ساسة الجماعة والساسة الذين يعملون لصالحها إلى تبرير هذا الخطأ، وتخريجه بصيغة تظهر الخطأ صواباً، والتسرع حكمة ورجاحة تستندان على بصيرة نافذة.

ما يحاول الإخوان فعله يتلخص في ثلاثة أمور رئيسية، الأول هو تحويل قيادة العالم الإسلامي إلى تركيا. والثاني هو إدارة تركيا من الباطن عبر رجب طيب أردوغان وحزبه. والثالث تحويل تركيا إلى عثمانية إخوانية ترسخ نفوذ الجماعة في المنطقة. من أجل هذا تسخر الجماعة جميع إمكاناتها المادية والبشرية، وفي هذا السياق يمكن قراءة وتفسير العديد من الأزمات والمشكلات في المنطقة العربية.

يفوق هذا الحلم قدرة الإخوان لأسباب كثيرة، تبدأ بتركيبة المجتمع التركي ولا تنتهي عند المعادلات الحالية للقوى العالمية، الأتراك ليسوا كلهم حزب العدالة والتنمية، وحتى من داخل الحزب ذاته هناك من ضاق ذرعاً بأردوغان وملّ البطانة الانتهازية التي تحيط به، هناك قادة في الحزب تمردوا وانشقوا ليتحالفوا مع خصوم أردوغان الذين لا يحلمون بالإمبراطورية العثمانية، ولا يريدون الصبغة الإسلامية للدولة، هم يبحثون عن العلمانية ويتطلعون إلى العمق الأوروبي والغربي.

السطو على دولة مثل تركيا لا يتم عبر الهيمنة على الأمير الزعيم، أو التحكم بمرتزقة ومليشيات مسلحة، هناك إرث راكمه الأتراك على مدار عقود لن يفرطوا به من أجل هواجس الإخوان العثمانية، عندما تفتح صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المقبلة بتركيا سيدرك العثمانيون الجدد ذلك جيداً، وربما يستفيقون من أوهامهم هذه أبكر إذا ما شن الجيش التركي حرباً على جبهة النصرة ومشتقاتها من جماعات إخوانية في إدلب لطالما ساندت التوغل الأردوغاني في سوريا.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى