أردوغان يريد الشكر من الشعب السوري.. لكن على ماذا؟
مشكلة تركيا مع نفسها والعالم تكمن في أردوغان، ومشكلة أردوغان تكمن في دماغه وطريقة تفكيره. آخر إبداعات الرجل؛ اشتراطه سحب قوات بلاده من سوريا بتوجيه الشعب السوري الشكر له، مع أنه ناقض نفسه في اللحظة نفسها عندما ربط هذا الانسحاب بسحب الدول الأخرى قواتها من سوريا. لكن السؤال الأساسي هنا: على ماذا سيشكر الشعب السوري أردوغان؟ لعل الإجابة عن هذا السؤال تتطلب العودة إلى أردوغان نفسه، وكيف تصرف مع الأزمة السورية منذ البداية، فأردوغان “الواقعي” اليوم، هو نفسه أردوغان الذي كان صوته يأتي هادرا صباح كل يوم يطالب برحيل الأسد، وهو نفسه الذي تعهد بالصلاة في الجامع الأموي في قلب دمشق القديمة، وهو نفسه الذي تحدث عن الخطوط الحمراء الكثيرة التي رفعها طوال سنوات الأزمة السورية، وهو نفسه الذي كان يتحدث عن الطائرات الروسية بأنها طائرات قتل الأطفال السوريين على الحدود قبل أن يتماهى مع بوتين في سياسته السورية، وبعد أن جعل من الأراضي التركية مأوى وممرا لكل مرتزقة العالم لارتكاب أبشع الجرائم ضد الشعب السوري.
أردوغان الذي لم يبقَ له عدو في سوريا سوى الكرد السوريين، يقتل اليوم هؤلاء الكرد، تارة باسم غصن الزيتون وأخرى باسم نبع السلام، يقتلعه من مدنه وقراه، ويجعله مشردا في البراري والمخيمات، ويجري عملية تغيير ديموغرافي في مناطقه لصالح جماعات متشددة مرتبطة به… أردوغان هذا هو نفسه أردوغان الذي استدعى الزعيم السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم إلى أنقرة عام 2014، وطلب منه انضمام الكرد إلى الجماعات المسلحة وحمل السلاح لإسقاط النظام السوري، وعندما رفض مسلم ذلك، كانت إبادة الكرد بدعوى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ومنع الكرد من تقسيم سوريا، مع أن أردوغان قسم هذه الأراضي وبات يحتل معظم شماله وشرقه، ويتصرف بها كأنها أرض تركية، حيث صوره في كل مكان، والعلم التركي مرفوع فوق كل المؤسسات والمراكز، والعملة المتداولة في هذه المناطق هي الليرة التركية، والاتصالات والخدمات ومجمل البنية التحتية باتت تركية، والمناهج التعليمية باللغة التركية، بل وصل الأمر بأردوغان إلى إصدار مرسوم رئاسي بإقامة فروع للجامعات التركية في مدن شمال سوريا.. وهي كلها خطوات لربط مصير هذه المناطق بتركيا، كما جرى لشمال قبرص عندما غزتها تركيا عام 1974 ولتبقى فيها إلى اليوم، وهذا ما يريده أردوغان بالضبط لشمال شرقي سوريا، تحقيقا لميثاقه على وقع سعيه للتخلص من اتفاق لوزان، حقا إنه أردوغان ذاك القائد البارع في صنع التحالفات والانقلابات معا.
على ماذا سيشكره الشعب السوري؟ هل على كل هذا القتل والتمزيق والدمار؟ هل على تخليه عن الخطوط الحمراء الكثيرة التي رفعها؟ هل على بيعه أوهاما زائفة لشعب تطلع إلى الحرية؟ هل على سرقته نفط سوريا وآثارها ومصانعها؟ هل على دعمه “داعش” و”النصرة” والحزب التركستاني والإيغوري؟ هل على جعله الأراضي التركية ممرا لكل مرتزقة العالم للعبور إلى سوريا؟ هل لتوريطه السوريين نظاما ومعارضة في مزيد من القتل؟ قد يقول قائل إن أردوغان استقبل أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، أقول له: هذا صحيح، ولكن أقول له أيضا: انظر كيف حول أردوغان هؤلاء إلى رهائن، تارة باستخدام هؤلاء اللاجئين ورقة في وجه أوروبا وتهديد الأخيرة بهم كلما تأزمت العلاقة بين الجانبين، وأخرى بتوطينهم في مناطق الكرد باسم إقامة منطقة آمنة، وثالثة باستخدامهم في الداخل التركي في معاركه الانتخابية؟
يقينا؛ التفكير السليم يقول إنه تجب محاكمة أردوغان على كل ما سبق وليس شكره، فالثابت أنه السبب الرئيسي في انزلاق سوريا إلى كل هذا الدم والدمار، بهدف وحيد وهو إيصال أتباعه من جماعة الإخوان إلى السلطة وليست حرية السوريين.