ماذا ينتظر الاتفاق النووي الإيراني؟
من الصعب توقع تبدلات عاجلة ستطرأ على علاقة واشنطن بالملف النووي الإيراني.
المرشح جو بايدن كان مثابراً في التصريح بأنه ينوي العودة إلى الاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015 وانسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.
بيد أن الرئيس بايدن، وخلافاً للمرشح بايدن، صاحب قرار عملي وليس صاحب موقف. وقراره محكوم بوقائع سياسية وتقنية لا تحكم بالضرورة الموقف السياسي. فالسياسة شيء؛ والسياسات شيء آخر.
ما خريطة المعنيين بالاتفاق النووي، وما مواقفهم؟
1- أمريكا: أ- جددت إدارة بايدن أنها تنوي العودة إلى الاتفاق النووي، بوصفه منصة نحو اتفاق أوسع؛ إذا ما عادت إيران إلى الالتزام بالضوابط التي حددها الاتفاق والتي فاقمت إيران من التفلت منها في الأسابيع الماضية. وتشترط إيران للعودة إلى التزاماتها أن تسقط إدارة بايدن كل العقوبات التي فرضها ترامب، وهو أمر دونه عقبات لا تحصى. فعقوبات ترامب لا تشمل فقط البرنامج النووي الإيراني؛ بل أيضاً عقوبات على صلة بملفات حقوق الإنسان والإرهاب، ومن غير الوارد أن تتراجع إدارة بايدن عنها. نقطة البداية هذه؛ التي تشبه أحجية البيضة والدجاجة، تعني أن وقتاً طويلاً سيمر قبل الوصول إلى ترتيب الأولويات وتصميم خريطة العودة إلى اتفاق 2015، وهذا يوصلنا إلى التصريحات الأخيرة لمسؤولي إدارة بايدن.
ب- خلال جلسة استماع خصصها مجلس الشيوخ الأميركي للبحث في تثبيته، عرض وزير الخارجية أنتوني بلينكن ملامح سياسة الإدارة الجديدة تجاه إيران، وتشارك مع سائليه بعض الاستنتاجات المهمة. يقول بلينكن إن أمام الإدارة الجديدة «طريقاً طويلة» للتوصل إلى اتفاق مع طهران؛ «أطول وأقوى». وشدد على أن الإدارة ستتدارس مع حلفائها في المنطقة أي اتفاق محتمل، «في مرحلة الإقلاع لا في مرحلة الهبوط»؛ أي إنه لا مفاجآت ستفرض على المعنيين بالملف النووي كدول الخليج الرئيسية ومصر وإسرائيل كما كانت الحال مع إدارة أوباما. وأكد بلينكن، كما أكدت رئيسة الاستخبارات القومية أفريل هاينز، أن إدارة الرئيس بايدن ستنظر أيضاً في مسألة الصواريخ الباليستية، و«الأنشطة الأخرى المزعزعة للاستقرار التي تنخرط فيها طهران».
ج- أيضاً؛ وخلافاً للمرشح، لا يستطيع الرئيس بايدن إلا أن يجري تقييماً موضوعياً لحسنات الواقع السياسي في الشرق الأوسط الذي ورثه من ترامب؛ وفي مقدمتها أن العقوبات تعطي أمريكا ورقة ضغط جدية على إيران بغية حضها على التوقيع على اتفاق «أطول وأقوى». ومن بين الأصوات الدافعة في هذا الاتجاه، رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر؛ أحد أبرز المحيطين ببايدن وواحد من قلة ديمقراطية عارضت اتفاق 2015، وخاض معركة سياسية قاسية في وجه أوباما.
د- ستكون إدارة بايدن مشغولة بحزمة ملفات ضاغطة؛ أبرزها مواجهة جائحة «كورونا» وتحولات الفيروس الأخيرة، الذي أودى بحياة أكثر من 400 ألف أميركي، وأصاب أكثر من 24 مليوناً آخرين؛ أي ما يفوق خسائر الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية. أضف إلى ذلك الحاجة الملحة للبدء بتنفيذ خطة تحفيز لمواجهة الشق الاقتصادي من تداعيات الجائحة. وفي جعبة بايدن في هذا الخصوص خطة بحجم 1.9 تريليون دولار تستوجب ورشة تشريعية ليست بسيطة، وإن كانت تحظى إلى الآن بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ليس بلا دلالة أنه وبعد 24 ساعة من تنصيبه؛ وقع بايدن 10 أوامر تنفيذية لمواجهة الوباء. كما تحتل الصين المرتبة الأولى على مستوى التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجهها أمريكا، بشكل يقزم أي مشكلات وتحديات أخرى كالملف الإيراني.
2- إيران: أ- تتمسك إيران بسقوف عالية تشترط فيها رفع كل العقوبات عنها قبل العودة إلى التزاماتها في الاتفاق النووي، وهو ما عبر عنه مختلف السياسيين الإيرانيين؛ من المرشد علي خامنئي، إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
ب- من سوء حظ إيران أن يتزامن البحث في مستقبل الاتفاق النووي معها مع انتخاباتها الرئاسية المجدولة منتصف العام، مما يجعل من الصعب جداً على أي طرف إيراني أن يقدم على التنازلات الضرورية التي تسهل تجديد الاتفاق، وتفتح الباب أمام تخفيف الضغوط الاقتصادية الخانقة التي تواجهها البلاد.
ج- في حين يبدو التفلت من ضوابط اتفاق عام 2015 الطريق الوحيدة أمام إيران لابتزاز المجتمع الدولي والدفع به نحو إحياء الاتفاق، فإن هذا السلوك يبدو كسلوك من يطلق النار على نفسه. لقد تجاوزت إيران مخزون اليورانيوم المسموح لها به بموجب الاتفاق، بأكثر من 12 مرة، وشرعت في رفع درجة التخصيب إلى 20 في المائة، مما دفع بأوروبا وبأكثر من صوت إلى نعي الاتفاق النووي عملياً.
د- حتى في حال الاتفاق، فإن مفاوضات شاقة وربما طويلة سيتطلبها تنظيم التفاهم على كيفية ورزنامة التخلص من فائض اليورانيوم الذي بات واقعياً بحوزة إيران، دعك من النقلات التقنية في مستوى أجهزة الطرد وتحديث وتوسعة بعض المنشآت النووية.
3- الموقف الإسرائيلي: أ- تتصرف إسرائيل بمزيج من الانفتاح الإيجابي على إدارة بايدن والبعث بالرسائل التي تفيد بأنها لن تسمح لأحد باتخاذ قرار بالنيابة عن أمنها القومي. وتخوض معركة رأي عام شرسة داخل أميركا للتأكيد على مساوئ الاتفاق النووي لعام 2015. وفي هذا السياق؛ نشر السفير الإسرائيلي الأسبق مايكل أورن والباحث يوسي هاليفي مقالاً مهماً في مجلة «ذي أتلانتيك» طرحا فيه سؤالاً غاية في الإحراج على إدارة بايدن مفاده: إذا كان خروج ترامب من اتفاق 2015 مهد الطريق لإيران للحصول على سلاح نووي؛ فلماذا لا يقلق هذا الخروج إسرائيل وحلفاءها في المنطقة؟ ولماذا على إسرائيل وحلفائها أن يقبلوا باتفاقات يقوم بها من يتصرف بأبوية مطلقة وعلى قاعدة أنه يعرف مصلحتهم أكثر مما يعرفونها هم؟
ب- صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي حالي وسابق بأن إسرائيل جاهزة للتعامل عسكرياً مع البرنامج النووي الإيراني بمثل ما تعاملت به مع البرنامجين العراقي والسوري عامي 1981 و2007.
ج- تنطلق إسرائيل من موقع أقوى في موقفها؛ لا سيما بعد التوصل إلى اتفاقات سلام وتطبيع مع 4 دول عربية؛ أبرزها الإمارات.
4- السعودية والإمارات: أ- تتمسك السعودية والإمارات والبحرين ومصر ودول عربية أخرى بحقها في التشاور معها بخصوص أي اتفاق نووي مع إيران، كما بحقها في تضمين أي اتفاق، ضوابط واضحة حول البرنامج الصاروخي الإيراني، وملف الميليشيات المذهبية التي تديرها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وقد انتزعت التزاماً علنياً من الإدارة الأميركية الجديدة حيال البندين. في المقابل؛ ترفض إيران إشراك هذه الدول في أي تفاوض حول البنود المذكورة، وتصر على بحث هذه العناوين في إطار منتديات إقليمية بحتة.
ب- تتمسك هذه الدول بحقها في مواجهة السياسات الإقليمية التخريبية لإيران بالتعاون مع كل الأطراف التي تتشارك معها مصالح أمنية.
ج- بعد اتفاقات السلام والتطبيع باتت دول رئيسية في المنطقة وإسرائيل تتحدث بصوت واحد وعلني، مما يمنح موقفها صلابة لم تكن متوفرة عام 2015، ويجعل تجاوز مصالحها أمراً في غاية الصعوبة.
د- تمنع التفاهمات العربية العلنية مع إسرائيل واشنطن من استفراد أي دولة من الدول المعنية بملفات ابتزاز، بغية انتزاع تنازلات في الملف النووي لغير صالح الأمن الاستراتيجي الجماعي في الشرق الأوسط.
الخلاصة:
أ- دبلوماسية أميركية – إيرانية صعبة وطويلة، إذا ما قُيض لها أن تنطلق أصلاً.
ب- استمرار الجهود الإسرائيلية الأمنية داخل إيران والعسكرية خارج إيران.
ج- مزيد من الإصرار العربي على مواجهة النفوذ الإيراني، والمضي في استكمال إعادة الهندسة الاستراتيجية للمنطقة، ومحاولة توسيع رقعة التفاهمات مع إسرائيل وربما تركيا وروسيا.
د- ردود إيرانية توتيرية في المنطقة على شاكلة إحياء خطر «داعش» في العراق وسوريا، وتصعيد عمليات التخريب ضد السعودية عبر اليمن.
ه- إحكام القبضة الإيرانية أكثر على معظم دول المشرق العربي، كأوراق تفاوض وصناعة نفوذ لإيران، وتعريضها تالياً لمزيد من التهرؤ… فالفاتورة الكبرى ستكون من نصيب دول كلبنان وسوريا والعراق.
نقلا عن الشرق الأوسط