سياسة

جماعة الإخوان.. وهم الديمقراطية والاعتدال


أطلقت جماعة الإخوان المسلمين على نفسها أوصافاً عديدة كالجماعة “الثابتة”، و”النقية”، ولم يكن ذلك عبثاً؛ بل ضرورة للإبقاء على الأصول القديمة لها ثابتةً، حتى تبدو غير قابلة للفشل أو للانتقاد، وهو ما يتعارض بعمقٍ مع قيم الديمقراطية والاعتدال.

الثابت والمتغير

 

يتسم التعامل مع المجتمع المدني بالمرونة، ذلك أنّ شكل الدولة الحديثة لا يمكن فهمه خارج سياق التعددية والتنوع في جميع المستويات الثقافية والسياسية والدينية والعرقية، وهو ما يتطلب التعامل مع الديمقراطية على أنّها أداة علمية؛ أي إنّها متاحة للجميع، وهم قابلون للعمل من خلالها والتطوير عليها، بمعنى أنّها لا تنبع من مشروعيةٍ واحدة أو إطار أيديولوجي واحد، تحدده مجموعة واحدةٌ فقط، لتفرض رؤيتها على البقية.

وبالنظر إلى تجربة جماعة الإخوان المسلمين، فإنّ التبني الأيديولوجي للديمقراطية، ظلّ طاغياً على التبنّي العلمي لها، وباتخاذ إخوان مصر كمثالٍ أكثر جذرية وحضوراً منذ “الربيع العربي”، يمكن الانتباه إلى التحولات التي مرت بها الجماعة منذ تولي الإخواني محمد مرسي السلطة العام  2012 وحتى سقوطه في 2013؛ حيث تميزت تحولات الإخوان، بالإقصاء والدكتاتورية.

وفي هذا السياق، يرى المفكر المغربي وأستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط سعيد العلوي في كتابه “دولة الإسلام السياسي” أنّ “ما يعده الديمقراطيون قوةً من خلال حكم الشعب لنفسه بنفسه، يرى فيه دعاة الإسلام السياسي موطنَ ضعفٍ قاتل”.

وبتطبيق هذه المقولة على تجربة مرسي والإخوان في الوصول إلى الحكم، يظهر بوضوح استخدامهم للجانب الأيديولوجي من الديمقراطية، من خلال استفادتهم من أعدادهم الكبيرة وقواعدهم التي بنوها لعقودٍ طويلة على التحشيد والتجييش لأفرادٍ من الشعب، مما ساهم في وصولهم إلى الحكم، ومن ثم سقوط حكمهم خلال مدة لا تزيد على العام، بسبب إهمالهم للديمقراطية من منظورها العلمي الأكثر فاعلية ووضوحاً.

هذا المنظور المتعلق بالتعددية، والحريات الفردية والدينية، وحقوق الإنسان، وحق التعبير، يتعارض برأي الباحث في العلوم السياسية بجامعة القاهرة أشرف الشريف، مع “المناطق المظلمة التي تتراكم في الخطاب السياسي لجماعة الإخوان، فهم برأي الشريف “مارسوا خطاباً رافضاً لوجود قوىً سياسيةٍ وشعبيةٍ أخرى تطالب بهذه المفاهيم الديمقراطية، واصفين هذه القوى بأنّها حاقدة أو من فلول النظام القديم، كما إنهم فرضوا دستوراً سلطوياً العام 2012، لا يمثل الديموقراطية، ولا حتى الإسلام السياسي”.

ويشير الشريف، في دراسته المنشورةِ بموقع معهد “كارنيغي” العام 2013، إلى أنّ “نجاح الإخوان في الانتخابات، لم يتعدَّ قدرتهم على حشد الأصوات لأجل صندوق الاقتراع، أما فشلهم، فتمثل في أنّهم استخدموا الديمقراطية في حدود وصولهم إلى الحكم فقط، ثم عجزوا عن تقديم نموذج حكم سياسي مختلف، يعالج الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية”.

وتتلخص هذه التجربة للإخوان، في استغلالهم الديمقراطية وتوظيفها لخدمة طموحٍ محدد، يتعلق بالوصول إلى السلطة، مما جعلهم يطبقونها لأجل أنفسهم فقط، ومن ثم بدأوا ممارساتٍ غير ديمقراطية، منها شيطنة الأطراف الأخرى، واستخدام التظاهرات لاستعراض القوة والأكثرية، وفرض القوانين من خلال الدستور، بحيث تمكّنهم في الحكم، بغض النظر عن إقصائيتهم وانغلاق جماعتهم على ذاتها.

ومن هنا، يمكن الانتباه إلى تحول الديمقراطية في نظر الإخوان، إلى مفهومٍ ثابت، يستخدم في إطار محدد، مثله مثل الخطاب الديني المُسيّس خاصتهم، الذي يعد ثابتاً كونه لا يكون شرعياً إلا بصدوره عن جماعة الإخوان، ليبرر مصالحهم السياسية، وبهذا، تفقد الديمقراطية قيمتها على استيعاب التغيرات الاجتماعية، والتعددية، والمساواة أمام القوانين التي يشارك الجميع في صياغتها وتطويرها.

رفض التغيير والتطوير

 

يقول الكاتب والباحث المصري هيثم أبو زيد “لا يجوز أن تكون علاقة الإخوان بالديمقراطية محل التباسٍ بعد ما يقرب التسعين عاماً من مسيرتهم في الحياة والسياسة، ومن غير المنطقي أن يظلوا في أدبياتهم ومواقفهم العملية يعتبرون الديمقراطية وما يتمخض عنها من حقوق، مجرد رؤية علمانية، أو حتى كفر”.

وبسؤاله عن عدالةِ هذه الرؤية “الإخوانية”، بعد تجارب سياسية واجتماعية طويلة لجماعة الإخوان في مصر والعالم العربي، أكد أبو زيد لـ”حفريات” أنّ “جماعة الإخوان لا تزال تتعامل مع قضايا الساحة من خلال مناهجها المنغلقة الثابتة، وليس من خلال بياناتٍ واقعية، سواء تلك القائمة، أو تلك التي تتغير”.

ويرى أبو زيد أنّ هذا الانغلاق، والإقصاء للواقع وبياناته، جعل الجماعة لا ترى العدالة إلا من خلالها، رغم أنّها منتج جماعي، كما أنّ الجماعة “تستخدم الديمقراطية لمرةٍ واحدة فقط، عند صناديق الاقتراع، كما حصل وقت ترشّح مرسي، ثم لا تمارسها على أرض الواقع، مما جعلها تتجاهل الاختلاف والتعددية، وملايين المصريين، بمجرد وصولها إلى السلطة”.

أما مراجعات الإخوان التي امتدت لسنوات وقادها أشخاص كعبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان، فاعتبر أبو زيد أنّها “لا تمثل حالةً توافقية أقرتها الجماعة كمنهجٍ أو قامت بتعميمها، حتى إنّها ومنذ وصولها إلى السلطة في مصر العام 2012، بدأت عمليات تعديلٍ واسعة لقواعد اللعبة السياسية والقوانين والمناصب، لتقوم بتثبيت حكمها هي، وإقصاء الآخرين، وهو ما يتنافى مع قيم العدالة”.

ولعلّ تجربة الإخوان التي قيل فيها الكثير، وأعمال العنف والاستقطاب التي رافقتها في الشارع المصري، ناتجة عن ترسباتٍ وآثارٍ قديمة لم تتغير، موجودة في فكر الجماعة التي تحمي نفسها بالثبات، لتوحي بمثاليتها، رغم تبدل المجتمعات في الزمان والمكان، وهو ما يجعلها مع الزمن تزداد انغلاقاً، ويبقيها مائلة للعنف المتمثل برفض التغيير والتطوير، حتى في داخلها.

وبهذا الخصوص، أكد أبو زيد أنّ المتتبع للجماعة على أرض الواقع بعيداً عن شعاراتها المفترضة، يرى أنّ “الإخوان لم يقدموا حتى؛ تصوراً واضحاً للشريعة التي يطالبون أن يتم الحكم من خلالها، فالمهم أن يكون تنظيمهم في السلطة، وبرأيهم يكفي هذا لتحقق مقاصد الشريعة، أما شيوخهم، فيعملون على التبريرات الفقهية، لتغطية مواقف الجماعة السياسية”.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم، هو مدى قابلية جماعة الإخوان للبقاء مستقبلاً كقوةٍ سياسيةٍ واجتماعية؟ بعد أن بات واضحاً، أنّ أزمة الدول العربية التي خاضت “الربيع العربي”، وخصوصاً مصر، تتجلى في حاجتها للعدالة الاجتماعية والمؤسسات والتعددية والتنمية، التي يمكن أن تتشكل بالشراكة مع الشعب وقواه المتنوعة، دون إعادة إنتاج النموذج الدكتاتوري، من خلال انغلاق الإخوان، أو غيرهم.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى