القضية الفلسطينية وتهافت القيادة الإيرانية


لا تنفك القيادة الإيرانية تمارس الازدواجية الأخلاقية القاتلة، هذا ديدنها، منذ بداية الثورة – الأزمة، وحتى الساعة، تبحث نهارا وليلا عن قضية تمارس من حولها أضاليلها، تهتف بأصوات زاعقة وترفع من حولها شعارات فاقعة، لا تسمن ولا تغني من جوع.

علاقة إيران بالقضية الفلسطينية من هذا النوع، فطوال أربعة عقود لم تقدم أي عون أو تستنقذ أي فلسطيني، إنها مشغولة فقط بالمزايدة الواهية، الأمر الذي دعا الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للتصريح ذات مرة بالقول: “إن إيران أضرت بالقضية الفلسطينية أكثر من قوات الاحتلال عينها”، الأمر الذي يفهم في سياق اعتبار إسرائيل قوة احتلال مباشرة لا تواري ولا تداري، أما إيران فليس لها من شغل شاغل سوى السيطرة على العالم العربي وتصدير ثورتها إلى أنظمة المنطقة، وإسقاط ما هو قائم منها.

كما هو متوقع لم يكن نظام الملالي ليفوت مناسبة إعلان الرئيس الأميركي عن خطة السلام الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكما هو متوقع امتطى المرشد خامنئي حصانه الخشبي، ومن عليه بدت المزايدة مفضوحة لا سيما حين دعا الفلسطينيين للمواجهة عبر الجهاد المباشر لطرد الإسرائيليين والأميركيين.

أربعة عقود وعام هي عمر النظام الإيراني الذي شكل ضمن صفوف حرسه الثوري، فيلق خاص أطلق عليه اسم فيلق القدس، لم يكن له من اسمه الواهي سوى الحروف، أما القدس عينها فلم يطلق رصاصة واحدة لتحريرها، بل وجه قواته لتخريب العواصم العربية من بغداد إلى دمشق، ومن صنعاء إلى بيروت.

يمكن للمرء أن يعمق تحليله ليكتشف أن الفصائل الفلسطينية الوحيدة التي كانت على صلة بطهران، هي ذات التوجهات الدائرة في فلك الإخوان المسلمين، ومن لف لفهم، كالجهاد الإسلامي وحماس وما شابه، والتي عمقت الشرخ في الجدار الاجتماعي الفلسطيني بأكثر مما خدمت القضية الفلسطينية، ولم يكن همها يوما سوى البحث عن موطئ قدم في الداخل الفلسطيني لإيران كوكيل لا أكثر.

تاريخيا لم تحمل إيران أي مشاعر مودات للعالم العربي، وليس أدل على ذلك من قراءة وصية الخميني الذي جاءت نهايته بعد أن تجرع كأس السم المتمثل في هزيمته في العراق، فقد كتب يقول: “هذه وصيتي.. عندما تنتهي الحرب مع العراق علينا أن نبدأ حربا أخرى… إنني أحلم أن يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة والكويت”.

ما يهم إيران هو الزعامة وإن كانت منحولة، والهيمنة ولو جاءت استبدادية، وليذهب العرب ما شاء لهم أن يذهبوا، الأمر الذي يشير إليه البروفسير الإيراني الأصل الأميركي الجنسية “تريتا بارسي”، بقوله: “إنه بمعنى من المعاني، تجاوز الثوار جنون العظمة لدى الشاة، فبدلا من مجرد السعي إلى السيطرة على المحيط الهندي وغرب آسيا، سعت حكومة الخميني إلى أن تكون زعيمة العالم الإسلامي برمته”.

من اليوم الأول للثورة الإيرانية كانت القضية الفلسطينية مطية للملالي ولأكاذيبهم، وعليه فقد جاءت فكرة مناصرة طهران للقضية الفلسطينية جوفاء مفرغة من أي مضمون حقيقي، أما الهدف الرئيس وراءها هو مغازلة التيارات العربية الأصولية، لاسيما من أصحاب العقليات رقيقة الحال، أولئك الذين تنطلي عليهم خداعات العقل والنقل دفعة واحدة، من أجل تبرير دور قيادي إيراني في المنطقة الشرق أوسطية، بمعنى آخر أنهم لكي يتسيدوا الجميع فإنه لابد لهم من قبول بعض العرب على الأقل بفكرة إيران القوة الإقليمية الكبرى التي تعلي من شأن الإسلام والمسلمين وتنافح وتدافع عنهم، وهي منظومة مزيفة من الفها إلى يائها.

هدف إيران الاستراتيجي طوال عقودها وحتى قبل الثورة الإيرانية أن تضحى كيانا مستقلا قويا، مكافئا موضوعيا لقوتين إقليميتين غير عربيتين لم يحملا للعرب يوما مشاعر طيبة، تركيا وإسرائيل.

ذات مرة تحدث مفكر استراتيجي ممن يسمون الإصلاحيين في الداخل الإيراني بالقول: “تخيل لو استطعنا إسقاط صدام وتأسيس جمهورية إسلامية هناك… سوف نصبح المهيمنين على أقوى دولتين في المنطقة، وهذا من شـأنه أن يغير ميزان كل شيء، يمكننا السيطرة على المنطقة، لا بل يمكن أن نسيطر على إقليم الشرق الأوسط بأكمله”.

يعكس الحديث السابق أمرين، الأول هو أنه لا يوجد حمائم وصقور في الداخل الإيراني، فكلهم متطرفون، متعصبون، متشددون حتى النخاع، وما هو أبعد من العظم، لا فرق بينهم، بل تقسيم أدوار.

الأمر الآخر هو أن ذلك الحديث المبكر من عمر الثورة، هو عينه ما سمعناه منذ عام من قيادات إيرانية مختلفة تحدثت عن هيمنة إيران على أربع دول في المنطقة اليمن والعراق، سوريا ولبنان، وكأن الأمر رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر، ودستور ظلامي حركي يمضي الإيرانيون في طريقه.

لعله يتحتم على المرشد خامنئي أن يلتزم الصمت حيال القضية الفلسطينية ويترك أمرها للذين ساندوها بالدم والمال والرجال عبر أكثر من سبعة عقود وحتى الساعة، أما هو فيكفيه أن يراجع صفحات كتاب مواطنه “تريتا بارسي”، ذاك المعنون باسم “حلف المصالح المشتركة”، والذي يفضح عمق العلاقات الممتدة من طهران مرورا بتل أبيب وصولا إلى العاصمة الأميركية واشنطن.

الخلاصة.. التهافتات الإيرانية لا تخدم القضية الفلسطينية.

نقلا عن العربية

Exit mobile version